للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذان الأصلان لم ينازع فيهما أحدٌ من أهل القبلة؛ إلَّا طائفتان القدَرية الغلاة والفلاسفة، فأما القدرية الغلاة فإنهم أنكروه وزعموا أنَّ الأمر أُنُف - أي: مستأنف لم يجر به قَدَر سابق من الله عز وجل -؛ لذا تبرأ منهم ابن عمر - رضي الله عنه -، كما ثبت ذلك عنه في الصحيح (١) . وقد نَصّ الأئمة كالشافعي وأحمد على تكفير من أنكرهما (٢) . وأَمَّا الفلاسفةُ فقد ذهب طائفة منهم كـ"ابن سينا" إلى أنَّ الله تعالى لا يعلم الكُليَّات والجُزئيات، إلاّ على وجه كُلِّيٍّ يتقدَّس عن الزَّمان والدهر (٣) .

المرتبة الثالثة: إِثبات المشيئة النافذة في خلقه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وجميع ما يقع من الحوادث فقد شاءه وأراده الله تعالى قدَرًا، ولم يُرِدْه شرعًا؛ لأن الإرادة الخَلْقية الكونية لا تستلزم رضا الرب ومحبته.

ومن دلائل هذا الأصل: قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} المائدة: ٤٨،وقوله تبارك وتعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} الكهف: ٢٣ - ٢٤،وقال: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)} آل عمران: ٦ وقال تبارك وتعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧)} هود: ١٠٧

المرتبة الرابعة: إثبات خلق الرب تبارك وتعالى، فهو الخالق وما سواه مخلوق. قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢)} الزمر: ٦٢ وقال {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢)} الفرقان: ٢


(١) أخرجه مسلم كتاب "الإيمان"،باب"الإيمان والإسلام والإحسان" (١/ ٣٦ - رقم [٨]) .
(٢) انظر: "درء التعارض" (٩/ ٣٩٦)،و"جامع العلوم والحكم" (٦٠) .
(٣) انظر:"الإشارات والتنبيهات" (٣/ ٢٩٥)،وفي حكاية أقوال الفلاسفة في علم الله=انظر:"نهاية الأقدام"للشهرستاني (٢١٥) و"درء تعارض العقل والنقل" (٩/ ٣٩٩ - وما بعدها) .

<<  <   >  >>