وأولئك الذين تحاكموا إلى العقل المُجرَّد، وجعلوه أَصلًا، وردُّوا به نُصوصَ الكتاب والسُّنَّة الصحيحة = وقعوا في الزَّيغ والتخبُّط والضَّلال.
وردُّ النُّصوص بحدِّ ذاته زيغٌ وضلالٌ وهوى وفتنة = لا يكادُ يَسلمُ منه أَحدٌ من أَهل الأَهواء. وهم في ذلك في أَمر مَريج، وتخبُّط واضطراب، رُبَّما تَسْتبين ملامحُه من خلال أُمُور ثلاثة:
ولكُلٍّ منهما كيانه المُستقِل، فأصبح السمع مُجرَّد التَّلقِّي والرِّواية بلا فَهمٍ، ولا عَقل، ولا مَعنى أَحيانًا. كما أَصبح العقلُ لا حاجة له إلى
سَمعٍ يُرشده ويدله ويَهديه. ثُمَّ أتبعوا ذلك أَن فَسُّروا مَذهب السَّلف الصَّالح، بأنَّ عِمادَه السَّمع فقط وأَنَّهم يُلغون العقلَ = وهذا كَذِبٌ عليهم وعلى نُصوص الكتاب والسُّنَّة، حيثُ جاءت بالدَّلائل العقليَّة والأمثلة المضروبة، وهكذا كان مَنهجُ السَّلف، جَمعَ النصوص وفَهمَها، وتَفْسيرَها التَّفسير الصحيح، ومَن تأمَّل أُصولَهم العقديَّة، ومِنهاجهم في تفسير القرآن الكريم وعُلومهم في تَلقِّي السُّنَّة روايةً ودرايةً، وقواعدهم في الاستدلال للأحكام الشَّرعيَّة = رأى عَجبًا، أَنَّي يُقارن به سفسطاتُ وقَرْمطاتُ أَهل الأَهواء.
الثَّاني: أَنَّ كُلَّ طائفة من أَهل الأَهواء جَعلت لها عَقلًا خاصًّا بها، له سِمات وأُصولٌ مُحْكَمة، فليس العقلُ عندها هو الغريزةَ التي خَلقها الله