في بني الإنسان وبها تميَّزوا عن الحيوان، ولا المبادئ الضروريَّة التي عَرَّفوا بها العقل - وهي لا تُسْمن ولا تُغني من جوع - كالقول بأَنَّ الكُلَّ أَكبر من الجزء، وأَنَّ الواحدَ نِصف الاثنين ونحوها ممَّا يَشْترك في تَعقُّلِهِ بنو آدم جميعهم = وإنَّما العقل عند كُلِّ طائفةٍ أَمر خاص، له قواعد وله أُسس عَقديَّة وَمنهجيَّة اعتقدوها أَولًا، ثُمَّ صارت عندهم هي الأَصل العقلي المحكم الذي يُحكم به على نصوص الوحي؛ فإمَّا أَن يَقبلوها أَو يَردُّوها.
فأَصبح على هذا المعنى هناك عقولٌ عديدةٌ بعدد أَهل الأَهواء، فلكُلٍّ من الفلاسفة، والجهميَّة، والمعتزلة، والمرجئة، والقدريَّة، والصوفيَّة، والرَّافضة، وغيرهم عَقْلٌ جعلوه أَصلًا يُقدِّمونه على النُّصوص. بل كُلُّ طائفةٍ انقسمت إلى عقول مختلفة؛ فالفلاسفة مَدَارس عقليَّة مختلفة ومتباينة، وكذا المعتزلة وغيرهم.
فالسؤال الكبير هنا: أي عَقل من هذه العقول يجبُ أن يكون الأَصل الَّذي تعتمده الأمَّةُ، وتتعامل به مع النُّصوص؟ خاصَّةً إذا ضَممنا إلى ذلك الأَمر الثَّالث:
وإنما لم أَذكر أَهل السُّنَّة والجماعة؛ لأنَّ كافَّة طوائف أَهل البدعِ يرون عقولهم فاسدة، أَو يرونهم بلا عقول، وما هم مع أَهل السُّنَّة إِلَّا كما جاء في المَثَل:(رَمتني بدائها وانسلَّت) حيث إنَّهم لمَّا رأَوا تناقضهم، وتهافت عقولهم، في مقابل من تَنوَّروا بالوحي المبين، ووجدوا أَنفسهم - في مقابل نصوص الكتاب والسُّنَّة التي جاءت بالمعاني