للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه عنده رضا الله عز وجل عن هذه المخالفة. ولأن جميع الأفعال هي في الحقيقة خير في ذاتها لا توصف بالشر إلا بطريق العَرَض، وإذا كان الشَّرُّ بطريق العَرَض= فكذلك الغضب الإلهي من أجلها عرضي أيضًا (١) .

وجبريّة ابن عربي جبريَّةٌ وَحدويَّة تُلغي الفَرْقَ بين وجود الخالق ووجود المخلوق، وتَعْتبِر الوحدة بينهما، فهي قائمة في الأَساس على اعتقاده أَنَّ الأَعيان كانت ثابتة في العدم، فظهورها كان بإفاضة الحق عليها من وجوده الذاتي؛ كلُّ ماهية قَبِلت من هذا الوجود المطلق بحسب ما اقتضاه استعدادُها، فظهرت بعين وجود الحق. وهذا الظهور هو ظهور بحكم الأسماء، فليس لله اسم قبل إفاضته عليها من وجوده، وأنَّ وجوده كان وجودًا مطلقًا لا وجود له إلَّا وجودًا ذاتيًّا، لم يتحقق هذا الوجود في الخارج إلاّ بعد ظهور هذه الأعيان (٢) .

ومن ثَمَّ؛ فابن عربي بامتناعه عن التمييز بين الوجود الواجب للخالق، والوجود الممكن للمخلوق =يجعل الوجود وجودًا واحدًا؛ هو الوجود الإلهي فحسب، وما سواه فَمَظَاهِرٌ للتجلّي الإلهي.

وممن اعتبر القدر حُجّةً لسقوط الملامة والذم على المعاصي: أبو علي ابن سينا. فإنّه عَدَّ العارف حقيقةً هو: مَن أحجم عن الملامة، ولم يَسْتهْوِه الغَضب عند معاينة المنكر؛ لاستبصاره بسر الله في القدر. وفي بيان ذلك يقول: (العارفُ لا يعنيه التجسُّس والتحسُّس، ولا يستهويه الغضب عند مشاهدة المنكر كما تعتريه الرحمة = فإنه مستبصرٌ بسِرِّ الله في القدَر) (٣) .

وسيأتي بيان فَسَاد ما ذهبت إليه كلتا الطائفتين.


(١) انظر "التعليقات على فصوص الحكم" للدكتور أبي العلا العفيفي (٢/ ١٢٠ - ١٢١) .
(٢) انظر: "با شورة النصوص" لعماد الدين الواسطي (٣٢ - ٣٣) .
(٣) "الإشارات والتنبيهات" (٤/ ١٠٤) .

<<  <   >  >>