للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وممن انتحل هذا المذهب: ابنُ عربي الطائي (١)؛ حيث يقول: ( .. كل حُكْمٍ ينفذ اليوم في العالم أنه حكم الله عز وجل، وإن خالف الحكم المقرر في الظاهر المسمى شرعًا؛ إذ لا ينفذ حكم إلا لله في نفس الأمر؛ لأن الأمر الواقع في العالم إنما هو على حكم المشيئة الإلهية، لا على (٢) حكم الشرع المقرر؛ وإن كان تقريره من المشيئة. ولذلك نفذ تقريره خاصة، فإن المشيئة ليست لها فيه إلا التقرير، لا العمل بما جاء به. فالمشيئة سلطانها عظيم .. فإن الأمر الإلهي إذا خولف هنا بالمسمى معصية؛ فليس إلا الأمر بالواسطة، لا الأمر التكويني. فما خالف أحد قطّ في جميع ما يفعله من حيث أمر المشيئة؛ فوقعت المخالفة من حيث أمر الواسطة = فافهم. وعلى الحقيقة؛ فأمر المشيئة إنما يتوجه على إيجاد عين الفعل، لا على من ظهر على يديه، فيستحيل ألاّ يكون. ولكن في هذا المحل الخاص؛ فوقتًا يُسمّى به مخالفةً لأمر الله، ووقتًا يسمى موافقةً وطاعةً لأمر الله، ويتبعه لسان الحمد أو الذم على حسب ما يكون. ولما كان الأمر في نفسه على ما قررناه؛ لذلك كان مآل الخلق إلى السعادة على اختلاف أنواعها) (٣) .

فابن عربي -كما ترى- يُسقط الاعتداد بالإرادة الأمرية الشرعية؛ لأن صدور المخالفة وهذه المعصية هو في الحقيقة طاعة بالنّظَرِ إلى موافقة الإرادة التكوينية الخلقية. فصدورها عن مقتضى هذه الإرادة يلزم


(١) محيي الدين ابن عربي (ت ٦٣٨ هـ):هو أبو بكر، محمد بن علي بن أحمد، الطائي، الحاتمي، المُرسِيُّ. نزيل دمشق، متصوف من أصحاب وحدة الوجود. قال الذهبي: (من أردأ تواليفه كتاب "الفصوص" فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر، نسأل الله العفو والنجاة فواغاثاه بالله!!) من تصانيفه: "الفتوحات المكية" = انظر "سير أعلام= =النبلاء" (٢٣/ ٤٨) .
(٢) في الأصل: علم. ولعل الصواب ما أثبت.
(٣) "فصوص الحكم" (١/ ١٦٥ - ١٦٦) .

<<  <   >  >>