للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أذنب؛ لأن ظاهره لا يدل على ذلك. في حين أن المخالفين لأهل السُّنة والجماعة من القدريَّة والجبرية فهموا من الحديث ما هو خلاف ظاهره الحقيقي، فتقاطعت فهومهم على أن الحديث يدل بظاهره على صحة الاحتجاج بالقدر على المعايب. وعلى هذا الاعتبار = يسقط اعتبار التكليف والمؤاخذة على الجُرْم.

ومع تحقق الاتفاق في هذا القدر = إلا أنّ كلتا الفرقتين التزمت نقيض ما التزمته الفرقة الأخرى:

فالتزمت المعتزلة ومن وافقها رَدّ الحديث والطعن في دلالته. وممن اشتهر عنه التصريح بالردِّ: أبو علي الجُبَّائي (١) .

وأما الجبرية فلم أَظفر بنصٍّ يُبيِّن استدلالهم بهذا الحديث على ما ذهبوا إليه من الاحتجاج بالقدر على فِعل المعاصي، وإسقاط الملامة. والذي نقله عنهم أصحاب المقالات وشرّاح الحديث؛ هو: نِسبةُ ذلك إلى عموم المذهب، لا إلى خصوص أعيانهم. وإن كان لازمًا لمذهبهم الاستدلال بهذا الحديث -كما سيتضح من خلال أطاريحهم-.

يقول الحَلَاّج (٢) مقررًا مذهب الجبر:

ما حيلةُ العبدِ، والأقدارُ جاريةٌ ... عليه في كُلّ حالٍ، أيّها الرائي

ألقاهُ في اليمّ مكتوفًا وقال له ... إيّاك إيّاك أنْ تبتلّ بالماء! (٣)


(١) انظر "مجموع الفتاوى" (٨/ ٣٠٤) . وأَبو علي الجُبَّائي (؟ -٣٠٣ هـ):هو محمد بن عبدالوهاب البصري، من شيوخ المعتزلة، من تصانيفه "الأصول"،و"النَّهي عن المنكر"=انظر:"السير" (١٤/ ١٨٣) .
(٢) الحلاج (ت ٣٠٩): هو الحسين بن منصور بن مَحْمِي، أبو عبد الله، ويقال: أبو مغيث. صوفي رُمي بالزندقة والشعبذة، والقول بالحلول. أَفتى القضاة بقتله على الزندقة فقتل ببغداد. من مؤلفاته: "طاسين الأول" و "ظل ممدود"، و "الأبد والمأبود" = انظر "تاريخ بغداد" (٨/ ٦٨٨ - ٧٢٠) و "سير أعلام النبلاء" (١٤/ ٣١٣ - ٣٥٤) .
(٣) "ديوان الحلاج" (١٧٩ - مع شرحه) .

<<  <   >  >>