للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: (ولا يوجد أحدٌ يحتج بالقدر في ترْك واجبٍ وفعل مُحرّمٍ = إلا وهو متناقض، لا يجعله حجةً في مخالفة هواه؛ بل يعادي من آذاه وإن كان مُحِقًّا، ويُحبّ من وافقه على غَرَضِه وإن كان عَدوًّا لله؛ فيكون حُبُّه، وبغضُه، وموالاتُه، ومُعَاداتُه؛ بحسب هواهُ وغرضِهِ، وذَوق نَفْسِهِ وَوَجْدِه؛ لا بِحَسَبِ أَمْرِ الله ونَهْيِهِ، ومحبته وبغضه، وولايته وعداوته؛ إذ لا يمكنه أن يجعل القدَر حُجّةً لكل أحد، فإن هذا مستلزِمٌ للفساد، الذي لا صلاح معه، والشر، الذي لا خير فيه ... ) (١) .

فإذا تقرر فساد هذين الأَصلين = عُلم أن أهل السنة والجماعة ومن وافقهم يُجمِعون على أنه لا يصح الاحتجاج بالقدر لدفع شَرْعٍ، ولا لِرَفْعِ ملامة. وقد حكى الإجماعَ على ذلك غَيرُ واحدٍ.

قال ابن القطان - رحمه الله -: (وأجمعوا: أنَّهم يستحقون الذم بإعراضهم -أي: الكفار- وتشاغُلِهم بما نهوا عنه من التشاغُل) (٢) .

وقال القاضي أبو بكر بن العربي - رحمه الله -: (وقد أجمع العلماء على أنه غير جائز لأَحدٍ إذا أتى ما نهى الله عنه أو حَرَّمه عليه أنْ يحتج بمثل هذا، فيقول: أفتلومني على أنّي قتلتُ، وقد سبق في علم الله أن أَقْتُل؟! وتلومني على أن أسرق وأزني، وقد سبق في علم الله وقدره؟! = هذا ما لا يسوغ لأحدٍ أن يجعله حجة لنفسه.

والأمةُ مجتمعةٌ على أنه جائز لَوْمُ من أتى ما يلام عليه من معاصي الله، وذمُّه على ذلك. كما أنهم مُجْمِعون على حَمْدِ من أَطاع، وأتى من الأمور المحمودة ما يُحمَدُ عليه) (٣) .


(١) "مجموع الفتاوى" (٢/ ٣٠١) .
(٢) "الإقناع" (١/ ٨٧) .
(٣) "المسالك في شرح موطأ مالك" (٧/ ٢٢٠ - ٢٢١) .

<<  <   >  >>