فالحديث جارٍ على مقتضى هذه الأُصُول، وليس مناقِضًا لها؛ للتبايُن بين الموردين: موردِ النّفْي - الواقع في الحديث - ومورد الإثبات. فالاتفاق حاصلٌ على هذا القدر؛ لكنهم اختلفوا في تحرير مناط النّفْي الوارد في هذه الأحاديث، والجمع بينها وبين تلك الأصول = على أقوال:
القول الأول: أنّ النفي في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فإنَّه لا يُدْخل أَحدًا الجنَّة عملُهُ) هو =كون العمل عوضًا ومقابلًا لدخول الجنة؛ دون رحمة الله وتفضّله. (فالباء) الداخلة على (العمل) هي (باء) الثمن والعِوض. وأَمَّا المُثبت في الآيات المُتقدِّمة؛ فهو كون العمل سببًا لدخول الجنّة (فالباء) الداخلة على (العمل) في تلك المواطن هي (باء) السببية.
وفي بيان هذا القول؛ يقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: «لا مُناقضة بين ما جاء به القرآن وما جاءت به السنّة؛ إذ المُثبت في القرآن ليس هو المنفي في السنّة. والتناقض إنما يكون إذا كان المثبت هو المنفي؛ وذلك أن الله تعالى قال:{تِلْكُمُ الْجَنَّةُ .... } ... فبيّن بهذه النصوص أن (العمل) سببٌ للثواب، و (الباء) للسبب ... وأمّا قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لن يدخُل أحدٌ منكم الجنّةَ