للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذا كان القول الأوّل- والله أعلم - أسدُّ وأولى بالترجيح.

وبعد تجلية موقف أهل السنة والجماعة، ومن وافقهم في هذه المسألة؛ تَجْدُر الإشارة إلى موقف المخالفين لهم في تناول هذه الأحاديث. وهي لا تخرج عن موقفين:

الموقف الأول: من صحح الحديث من جهة الثبوت؛ لكن حمَله على غير ظاهره ومعناه المراد؛ بأنْ جعل النّفْي الواردَ للعمل هو نَفْيٌ لسَبَبِيَّتِه لدخول الجنّة؛ فلا ارتباط له بالجزاء. فالعمل-عندهم- لا يعْدو أن يكون علامةً وأمارة يحصُل عندها الثواب به.

وفي تقرير هذا المذهب يقول الرَّازي: «العملُ لا يوجب دخولَ الجنّة لذاته، وإنما يُوجّه لأجل أن الله تعالى - بِفَضْلهِ- جعله علامةً عليه، ومعرفةً له» (١) .

ويقول إبراهيم البيجوري: «فليست الطاعةُ مستلزمةً للثواب، وليست المعصية مستلزمة للعقاب؛ وإنما هما أمارتان: تدلّان على الثواب لمن أطاع، والعقاب لمن عصى» (٢) .

الموقف الثاني: من طعن في الحديث؛ بناءً على أنه لا يمكن دخول الجنّة إلا إذا كان على جهة الاستحقاق مجرّدًا. فالثواب والجزاء عِوضٌ عنِ الأَعمال، وعِدْلٌ لها.

والذاهبون إلى ذلك هم المعتزلة.

وفي بيان موقفهم يقول الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {وَنُودُوا


(١) "مفاتيح الغيب" (٥/ ٢٤٤) .
(٢) "تحفة المريد" (ص ١٠٥) وانظر: "طوالع الأنوار"، للبيضاوي (ص ٢٢٨) .

<<  <   >  >>