للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقولون: ينجون من النار بعفوه، ويدخلون الجنّة بالرحمة، ويتقاسمون المنازل بالأعمال» (١) وهو اختيار ابن بطّال (٢)، وابن الزاغوني (٣) .

وهذا القول لا يتماسك مع ما جاء من التصريح في الآيات؛ بجعل المُقتضي للدخول =العمل.

القول الثالث: أن العملَ من حيث هو عملٌ لا يستفيد به العامل دخولَ الجنّة؛ ما لم يكنْ مقبولًا. ومردّ القبول من الله؛ فإن حصل فبرحمةٍ منه إذا قَبِلَه.

وهذا القول هو اختيار الحافظ ابن حجر - رحمه الله -؛ حيث قال: (ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جوابٌ آخر؛ وهو: أن مجمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخولَ الجنّة ما لم يكن مقبولًا. وإذا كان كذلك فأمر القبول إلى الله تعالى؛ إنما يحصل برحمة الله لمن يُقبل عملُه = وعلى هذا؛ فمعنى قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢)} النحل: ٣٢ أي: تعملونه من العمل المقبول. ولا يضرّ بعد هذا أن تكون (الباء) للمصاحَبة، أو للإلصاق، أو المقابلة. ولا يلزم من ذلك أن تكون سببيّة) (٤) .

وممّا يُضعِف هذا الاختيار: أنْ ليس أمْرُ القبول وحده مرهونًا برحمة الله؛ بلْ يَسْبِق ذلك التوفيق إلى العمَل؛ فهو في حقيقة الأمر يرجع إلى رحمة الله وفضله أنْ أنهض العامل إليه، ويسّره له (٥) .


(١) نقله عنه ابن تيمية. انظر: "جامع الرسائل" (١/ ١٥١)، وابن القيم في "حادي الأرواح" (١/ ١٧٦) .
(٢) انظر: "شرح صحيح البخاري" (١٠/ ١٨٠) .
(٣) انظر: "الإيضاح في أصول الدين" (ص ٥٥٠) .
(٤) "فتح الباري" (١١/ ٣٥٨ - ط/دار السلام) .
(٥) انظر: "الوعد الأخروي" (٢/ ٦٥٧) .

<<  <   >  >>