للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الظلم مسلوبًا عنه؛ لفَقْدِ شرْطه المُصحِّح له، لا لفقْده في نفسه» (١) .

وحقيقة الأمر: أنّ ما ذهب إليه الأشاعرة من نفْي سببيَّة العمل في حصول الثواب؛ بناءً على هذين الأصلين = باطل. فأمّا بطلان الأصل الأول؛ فإنّ حرْف "التأثير" فيه إجمال واشتراك. فالنَّفي والإثبات بإطلاق يستلزم الغلط على الشرع فإنّهم إنْ عَنَوا بـ" التأثير" تأثير السبب في مسببه تأثيرَ اختراعٍ، وإبداع؛ بحيث يستقل السَّببُ بالأَثر من غير مُشَارِكٍ مُعَاوِن، ولا مُعَاوِقٍ مُمَانعٍ = فهذا عينُ الإشراك مع الله؛ الذي ينفي مفهومَه أهلُ السنة والجماعة «بل الله وحده خالق كل شيء، لا شريك له، ولا ندّ له. فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} فاطر: ٢ ({قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} سبأ: ٢٢ - ٢٣ {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)} الزمر: ٣٨» (٢) .

وإنْ عَنَوْا بـ"التأثير" عدم استقلال السبب في حصول المسبّب؛ الذي لا بدّ له من شروط تنضمّ إليه، وموانع تنتفي عنه - وكلّ ذلك مخلوق لله سبحانه وتعالى، خاضع لمشيئته -؛ فهذا إثبات سبب، لا على جهة الاستقلال = ونفْي التأثير بهذا الوجه ركوبٌ للمُحال، ومناقَضة للضرورة النقلية والعقلية. فالباري سبحانه قد أثبت تأثير السبب؛ لطبيعته الشرعية،


(١) "الاقتصاد في الاعتقاد" (٢٤٢ - ٢٤٣) . وانظر: " شرح جوهرة التوحيد"، للصاوي (ص ٢٢٨) .
(٢) "مجموع الفتاوى" (٨/ ١٣٤ - ١٣٥) .

<<  <   >  >>