للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي تقرير هذا الأصل يقول السنوسي (١): «وقد أطبق العقل والشرع على انفراد المولى جل وعزّ باختراع جميع الكائنات عمومًا، وأنه لا أثر لكلّ ما سواه تعالى في أثرٍ ما جملةً وتفصيلًا. وقد غلط قومٌ في تلك الأحكام العادية فجعلوها عقلية، وأسندا وجود كل أثرٍ منها لما جرت العادة أنه يوجد معه؛ إمّا بطبعه، أو بقوة أُودِعت فيه؛ فأصبحوا وقد باءوا بِهَوَسٍ ذميم، وبدعةٍ شنيعة في أصول الدين، وشركٍ عظيم .. » (٢) .

الأصل الثاني: أنّ إثبات كمال الملك والاختيار لله عزّ وجلّ لا يتحققُّ إلَاّ بتجويزِ فِعلِ كُلِّ ممكنٍ عليه. فجوّزوا بناءً على ذلك: تعذيب أوليائه، وإثابة أعدائه. ولا يكون ذلك ظُلمًا منه؛ لأن حقيقة الظُّلم التصرُّف في ملك الغير، وهذا لا يتصوّر في حق الله؛ لأن كلّ ما في الوجود مُلك له. ويكون الظلم غير مقدور له.

وفي تقرير هذا الأصل يقول الغزالي: «الظلم مَنْفيٌّ عنه بطريق السّلْب المحْض؛ كما تسلب الغفلةُ عن الجدار، والعبث عن الريح؛ فإنّ الظُّلم إنّما يُتصوَّر ممن يمكن أن يصادف فعلُه مُلكَ غيره. ولا يُتصوَّر ذلك في حق الله تعالى. أو يمكن أن يكون عليه أمرٌ فيخالف فعلُه أمرَ غيره. ولا يُتصوَّر من الإنسان أن يكون ظالمًا في ملك نفسه بكل ما يفعله؛ إلاّ إذا خالَف أمرَ الشرع؛ فيكون ظالمًا. فمن لا يتصوَّر منه أن يتصرف في ملك غيره، ولا يتصوَّر منه أن يكون تحت أمر غيره = كان


(١) السنوسي: هو محمد بن يوسف الحسني. يُعرف بـ"التلمساني" (٨٣٠ - ٨٩٥ هـ) فقيه مالكي، متصوف. من مؤلفاته: "مختصر في المنطق" و " مختصر التفتازاني على الكشّاف" و " مختصر إكمال الإكمال للأُبِّي على صحيح مسلم" = انظر: "شجرة النور الزكية في طبقات المالكية" (١/ ٢٦٦) .
(٢) "شرح أم البراهين " (ص ٦١ - ٦٢ - مع حاشية الدسوقي) . وانظر كذلك: "شرح الصاوي على جوهرة التوحيد" (ص ٢٤٥ - ٢٤٦) .

<<  <   >  >>