من إضافة قَيْد؛ وهو: تكفير السيئات التي لا ينفك عنها العبد. وتكفيرها تفضُّلٌ من الله جل وعلا. قال تعالى:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} التغابن: ٩
وينبغي لحْظ أن أهل السنة لا ينكرون أن الجنة تُدخَل بعمل؛ كما نطقت بذلك البراهين الشرعية، وإنما الإنكار لما لم يدلّ عليه الدليل من أن الجنّة تُستَحقّ على الله بالعمل؛ على جهة الثمنية والعوض.
وأَمَّا الجواب عن الشُّبهةِ الثَّانية؛ وهي: دعواهم أنّ نعيم الجنة خالص لا يشوبه كَدَرٌ ... الخ.
فيقال: إن الامتنان إنما يصحّ أن يكون ذِلّة وكدرًا إذا كان من جهة النظير والمماثِل، أمّا إذا كان من المالك المتفرّد بالعطاء، الذي لا يدانيه مُعْطٍ، ولا يُماثلُه منعم (١)؛ فلا مكان للكدر، ولا محلّ للذّلّة. وأمّا المِنّة فليست منتفيةً. فالعبد لا يزال يتقلّب في منن الرب تبارك وتعالى؛ لذا كان من أسمائه تبارك وتعالى (المنّان) ومنّته على عبده ليست تكديرًا؛ بل شرفٌ للعبد بأن أنعم عليه، ووفّقه، وهداه، وقَبِل منه، ثمّ أدْخلَه جنّته.
وبعد انقضاء الحديث عن وجه ما طعنتْ به المعتزلة، وظهور فساد ما ذهبت إليه = لزمت الإبانة عن الأصول التي بنتْ عليها الأشاعرة موقفها في فهم الحديث، والعدول به عن ظاهره. فتفسيرهم للنفي الوارد على العمل في الحديث بنفْي سببيّته، وأثره في دخول الجنة؛ أدّاهم إليه حاصل أصلين:
الأول: اعتقادهم أنه لا يمكن تحقيق توحيد الربوبية إلاّ بإفراد الرَّبِّ بالخَلْقِ والتَّأثير. وهذا لا يتحصّل إلاّ بنفْي أيّ مؤثّرٍ مع الربّ تبارك وتعالى.