للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيكون مصيبة في حقه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أنزل الله بقومٍ عذابًا أصاب العذابُ من كان فيهم، وبُعِثُوا على نياتهم) (١)

فإذا تَحَصَّل من ذلك عموم معنى العقاب = عُلِم أنّ ما يجده الميت من الألم بسبب النياحة عليه قد يكون عقوبةً له؛ إن كان من سُنَّة أَهله فِعْلُ ذلكَ، ولم ينههم، أو أمَرَ به بعد موته. وقد يكون ما يجده من الألم من جرَّاء ذلك من جنس الضغطة، وانتهار الملكين، والمرور على الصراط، وغيرها من أهوال يوم القيامة. فهذه الآلام تكون سببًا لتكفير خطايا المؤمن.

وفي بيان هذا المعنى يقول الإمام ابن تيميَّة - رحمه الله -: (فهذا الحديثُ قَبِلَه أَكابر الصحابةِ مثلُ عمرَ، وهو يُحدِّث به حين طُعن، وقد دخل عَليه المهاجرون والأنصار، وينهى صهيبًا عن النياحة، ولا ينكر ذلك أَحد. وكذلك في حال إمرته يعاقِبُ الحيَّ الذي يُعذِّب الميتَ بفعله. وتلقاه أكابر التَّابعين مثل سعيد بن المسيب وغيره، ولم يَردُّوا لَفْظَه، ولا معناه. . والذي عليه أَكابر الصحابةِ والتابعينَ = هو الصواب؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (يُعذِّب) ولم يقل: (يعاقب) والعذابُ أعم من العقاب ... فالعذاب هو: الآلام التي يُحْدِثُها الله تعالى؛ تارةً يكون جزاءً على عَمَل فيكون عقابًا، وتارةً يكون تكفيرًا للسيئات. . ثم ذلك الألم الذي يَحْصُل للميت في البرزخ إذا لم يكن له فيه ذَنْبٌ = من جنس الضغطة، وانتهار منكر ونكير، ومن جنس أهوال القيامة؛ يكفّر الله به خطايا المؤمن، ويكون من عقوبة الكافر) (٢) .


(١) أخرجه البخاري في كتاب: "الفتن" باب "إذا أنزل الله بقوم عذاباً" (٩/ ٥٦ - رقم [٧١٠٨])، ومسلم في كتاب: "الجنة وصفة نعيمها وأهلها" باب "الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت" (٤/ ٢٢٠٦ - رقم [٢٨٧٩])
(٢) "جواب الاعتراضات المصريَّة" (٦٢ - ٧٢)، وهذا القول ذهب إليه جِلَّةٌ من العلماء؛ كابن جرير الطبري، وابن المرابط، والقاضي عياض = انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (٣/ ٣٧١ - ٣٧٢) و "فتح الباري" (٣/ ١٩٨)

<<  <   >  >>