للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكلّ هذه الأدلّة، وغيرها مما لم يّذكر تدلّ على أن الملائكة الكرام لها تحقّق في الخارج، وأن حقيقتها تخالف دعوى الفلاسفة في الملائكة.

قال ابن تيمية - رحمه الله -: (فإنّ الله وصف الملائكة بصفات تقتضي أنهم أحياء، ناطقون، خارجون عن قوى البشر، وعن العقول، والنفوس التي تثبتها الفلاسفة =فعُلِم أن الملائكة التي أخبرت عنها الأنبياء ليسوا مطابقين لما يقوله هؤلاء) (١). وقال: (الموجودات العقلية التي يثبتها هؤلاء من واجب الوجود؛ كالعقول العشرة = هي عند التحقيق لا توجد إلا في الأذهان؛ لا في الأعيان ... ) (٢).

وبهذا يتحصّل: بطلان من أنكر وجود الملائكة الكرام، أو أثبت لهم حقيقة تخالف ما استقرّت به الدلائل الشرعية، والدلائل العقلية؛ حيث إن العقل يستدل على وجودهم بواسطة آثارهم المحسوسة، كما ثبت من رؤية الصحابة لهم في صُورٍ غير الصورة التي خُلقوا عليها. وكذلك ما ثبت من قِتالها مع المؤمنين؛ كما ثبت في الصحيح من حديث سعد ابن أبي وقّاص - رضي الله عنه - أنه قال: (رأيتُ عن يَمِينِ رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وَعَنْ شِمَالِهِ يوم أُحُدٍ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابُ بَيَاضٍ ما رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ ولا بَعْدُ. يَعْنِي: جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَام) (٣). وقد قرر هذه الحقيقة القرآن كما في سورة الأَنفال وغيرها، وقد سبق سوق الآيات المتعلِّقة بذلك في أوائل المبحث.

لذا قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: (وتظاهرت الرِّوايات بأَنَّ الملائكةَ عملت يوم بدرٍ، وقاتلت) (٤).

[وليس هذا مختصًّا بعصر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ بل قد تواترت الأخبار على وقوع ذلك بعد عصره في معارك عديدة، تحقّق فيها للمجاهدين معاينة أشخاص لا يعرفونهم، يقاتلون معهم = فاجتمعت بذلك الضرورتان: العقليّة، والنقلية؛ على إثبات وجود الملائكة الكرام -عليهم السلام-.] [*]


(١) "المصدر السابق" (١/ ١٩٩).
(٢) المصدر السابق (١/ ٢٤٣).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب: "الفضائل " باب "قتال جبريل وميكائيل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " (٤/ ١٨٠٢ - رقم [٢٣٠٦]).
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" (٤/ ٨١).

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع، وأضفناه من أصل الرسالة الجامعية

<<  <   >  >>