للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا سببًا في تمزّقها وتبدُّدها. فإذا ثبت ذلك للنار؛ فلِمَ يُمنع أن يقع ذلك للجن، مع لحْظ أن مادة خلقها منها؟

وأمّا الجواب عن الاعتراض الثاني، فيقال: إنه لا يُسلّم لزوم حصول العداوة، أوالصداقة، بمجرّد المخالطة. فإنّ العداوة والصداقة ليستا من قبيل السَّلب والإيجاب اللّذَيْن يمتنعُ ارتفاعُهما معًا، واجتماعهما معًا؛ بل هما ضدّانِ.

والأدلة الشرعية النَّقليَّة والحسيَّة تقضي بحصول أحوالٍ من الإلف أو العداوة والتسلط بالإيذاء من قِبَل الجنّ على الإنس. وهذا أمرٌ مستقرّ معلومٌ. وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي السائب، أنه دخل على أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في بيته، قال: (فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حتى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا في عَرَاجِينَ في نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَالْتَفَتُّ فإذا حَيَّةٌ، فَوَثَبْتُ لِأَقْتُلَهَا، فَأَشَارَ إليّ أَنْ اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ. فلمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إلى بَيْتٍ في الدَّارِ فقال: أَتَرَى هذا الْبَيْتَ؟ فقلت: نعم. قال: كان فيه فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ. قال: فَخَرَجْنَا مع رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إلى الْخَنْدَقِ، فَكَانَ ذلك الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْصَافِ النَّهَارِ، فَيَرْجِعُ إلى أَهْلِهِ. فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فقال له رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ) فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ؛ فإذا امْرَأَتُهُ بين الْبَابَيْنِ قَائِمَةً، فَأَهْوَى إِلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فقالت له: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ، وَادْخُل الْبَيْتَ حتى تَنْظُرَ ما الذي أَخْرَجَنِي، فَدَخَلَ فإذا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ على الْفِرَاشِ، فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ، فَانْتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ في الدَّارِ، فَاضْطَرَبَتْ عليه، فما يُدْرَى أَيُّهُمَا كان أَسْرَعَ مَوْتًا: الْحَيَّةُ، أَمْ الْفَتَى؟ قال: فَجِئْنَا إلى رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَذَكَرْنَا ذلك له، وَقُلْنَا: ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لنا.

فقال:

<<  <   >  >>