للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ) ثُمَّ قال: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قد أَسْلَمُوا، فإذا رَأَيْتُمْ منهم شيئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذلك فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هو شَيْطَانٌ) (١) .

فتبيّن من هذا الحديث أن الجنّ قد يبلغ أذاها إلى القتل. والبراهين على وقوع الأذى أو النفع من الجنّ للإنس كثيرة، والمنصف يقنع بما سبق ذِكره.

والجواب عن الاعتراض الثالث؛ وهو دعواهم: أن طريق إثبات وجود الجنّ إما الحِسّ، وإما الخبر ... إلخ.

فيقال: صِدْق النتيجة مرهون بصدق المقدّمات، والمقدمة لم تصدق = فالنتيجة إذن باطلةٌ. وبيان ذلك: أنّه لا يُسلّم لهم بأن الحِسّ لم يدلّ على وجودهم؛ لأن الضَّرورةَ الحسيَّة تقْضي بوجودهم؛ إمّا من جهة معاينة آثارهم، أو من شهود الحسّ لهم مباشرةً، بسماع أصواتهم. والوقائع في ذلك قد استفاضت استفاضةً أغنتْ عن كلّ إسناد؛ فهي من العلم العامّ الذي يقطع العاقل بصدقها.

وكذلك رؤيتهم، فقد صحّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآهم. ورآهم أيضًا بعض أصحابه - رضي الله عنهم -؛ كأبي هريرة - رضي الله عنه - عندما وكّله النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة (٢) . سواءً كانت الرؤية بصورهم التي خلقهم الله عليها - وهذا جائز أن يقع للنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو كانت الرؤية لهم في حال تمثُّلِهم. وأيًّا ما كان؛ فالرؤية ليست منتفيةً عن جميع الخلق؛ كما جاء في الدعوى.


(١) أخرجه مسلم في: كتاب "السلام" باب "قتل الحيّات وغيرها " (٤/ ١٧٥٦ - رقم [٢٢٣٦]) .
(٢) أخرجه البخاري في: كتاب "الوكالة"، باب " إذا وكّل رجلًا فترك الوكيل شيئًا فأجازه" (٤٥٥ - رقم [٢٣١١]) .

<<  <   >  >>