للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: لو كانت الرُّؤية متحقّقة في بعض الأَحوال؛ فلِمَ لا تكون كذلك في جميع الأحوال؟

والجواب: أَنَّ من حكمة الحكيم العليم أن يبتلي عباده بأمر الجنّ، ليتحقّق الجزاء على الإيمان بهذا الواقع المغيّب، أو عدمه. وانتفاء الرُّؤيةِ في كل حال لا يلزم منه انتفاء الوجود؛ فإنَّ للبصر خاصيَّتَه التي ركّبها الله فيه؛ مِن أنّه لا يُدرك إلا الألوان، وما ليس له لون فلا يُدرِكه. فليس عجْزُه عن إدراك ما لا يتّصف باللَّونيَّة بقاضٍ على انتفاءِ وجوده. فالهواء مثلًا حقيقةٌ موجودةٌ، لا يشكُّ العقلاءُ في وجوده، ومع ذلك فإنّه لا يقع للبصر إدراكه؛ لانتفاء اللونيَّةِ عنه = فعُلِم بذلك أن وجود الأشياء ليس تابعًا لإدراك البصر لها، فضلًا عن إدراك الحسّ لها (١) .

وأمّا دعواهم أنّ ثبوت وجود الجنّ بخبر الأنبياء والرسل باطل؛ لأن ثبوت ذلك - بزعمهم- يستدعي الشكّ في معجزاتهم ... إلخ

فيقال: كذلك التكذيب بوجودهم - أي: الجنّ - باطل؛ لأنَّ ذلك يستلزم الطعن في نبوة الأنبياء الذين أخبروا بوجودهم (٢) . هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن جنس معجزات الأنبياء خارجةٌ عن قُدَر الجنّ والإنس جميعًا، فلا يقع الالتباس بين ما يقع للأنبياء من آيات، وبين ما تستطيعه الجنّ.

وأمّا الجواب عن الاعتراض الرابع: إذا كان الجنُّ موجودين ... إلخ.

فيقال: النظر في هذه الدعوى من جهتين:

الجهة الأولى: أن يقال: لا تلازُم بين وجود الجن، وثبوت جهادهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَو أَصحابه - رضي الله عنهم -، أَو مع المؤمنين. والرَّابط


(١) انظر:"الفصل"لابن حزم (٥/ ١١٢) .
(٢) انظر: "عالَم الجنّ" (ص ١١٥) .

<<  <   >  >>