للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما من مولود) نكرة في سياق النفي؛ وهي من صيغ العموم، فتستغرق كلّ ما يقع في حيزها، إلاّ ما استثني منها. ويؤيد ذلك الرواية الأخرى: (كل ابن آدم) .

الأمر الثاني: الاستثناء الحاصل لعيسى وأمه عليهما السلام. ومن المُقرّر في الأصول: أنّ صحَّة الاستثناء معيار العموم (١) .

ووقوع "من" في الرواية الأولى قبل النَّكرة في سياق النَّفي = تجعلها نصًّا في العموم.

لذا قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله - مقرّرًا ذلك: (وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مولود"، و " ما من مولود" ظاهر قويّ في العموم والإحاطة. ولمّا استثنى منه مريم وابنها التحق بالنصوص؛ لا سيّما مع النظر الذي أبديناه، فأفاد هذا = أنّ الشيطان ينخس جميع ولد آدم؛ حتى الأنبياء، والأولياء، إلاّ مريم وابنها. وإنْ لم يكن كذا = بَطَلَتْ الخصوصية بهما) (٢) .

أمّا الفقرة الثانية: فإنّه لا تلازُم بين تحقّق النخس المشار إليه في الحديث، وبين حصول الإغواء والإضلال للمنخوس، فغاية الأمر: أن هذا النّخس مُقدَّر بزمن مخصوص؛ وهو حال الولادة، ولا يلزم منه استمراره وبقاؤه. وإلَّا؛ فكم قد تعرّض الشيطان لأنبياء الله تعالى وأوليائه بأنواع من الإفساد والإغواء = فحفظهم الله تعالى ووقاهم من إضلاله وإغوائه، كما قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} الحجر: ٤٢ وعليه؛ فمن فهِمَ أنَّ حصولَ النَّخسِ من الشَّيطانِ لُكلِّ مولود عنه بمن فيهم الأنبياء؛ يلزم منه وقوع الإضلال والإغواء = ففَهْمه فاسدٌ بالمرّة، وليس هذا هو مقتضى مدلول الحديث بلا ريب-كما سيأتي-. فمَنْ سوّى بينهما فقد اختلط عليه الخَاثِرُ بالزّبادِ.


(١) انظر: "الواضح في أُصول الفقه"لابن عقيل الحنبلي (١/ ١٩٧) .
(٢) "المُفهِم" (٦/ ١٧٨) وانظر: " الجامع في أحكام القرآن" (٤/ ٦٨) .

<<  <   >  >>