للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفقرة الثالثة: أن امتياز نبي الله عيسى وأمه عليهما السلام بهذه الخصيصة لا يستلزم تفضيلهما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه ثبت في الصحيحين: (أنّه ما من أحد إلاّ وُكل به قرينه من الشياطين) (١) وعلى هذا؛ فمريم وابنها عليهما السلام وإنْ عُصما من نخْسه؛ فإنّهما لم يُعصما (من ملازمته لهما، ومقارنته. وقد خَصّ الله تعالى نبينا - صلى الله عليه وسلم - بخاصّية كَمُل بها إنعامُه؛ بأنْ أعانه على شيطانه حتّى صحّ إسلامُه؛ فلا يكون عنده شرّ، ولا يأمره إلاّ بخير = وهذه خاصّة لم يُؤْتَها أحدٌ غيرُه، لا عيسى، ولا أمّه) (٢) .

ثمّ؛ إنَّ ذِكر الفضيلة لا يستلزم الرُّجحان بالأَفضليَّة (٣)، وذلك للقطع بأَنَّه - صلى الله عليه وسلم - سيد ولد آدم -كما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - (٤) - بما فيهم الرُّسل عليهم السلام. والقطع بفضيلته - صلى الله عليه وسلم - وتقْدُمِهِ على جميع الأنبياء أمرٌ معلوم، ودلائله قد سبق ذِكرها.

ومع جلاء الحديث، وجلاء دلالته، وعدم مناقضته للعقل؛ إلاّ أنه قد طعن فيه طوائف من المتقدّمين والمتأخّرين. وانقسمت مواقفهم تجاه الحديث إلى موقفين:

الموقف الأول: مَنْ ردّ الحديث صراحةً.

الموقف الثاني: مَنْ أعمل فيه التأويل، دون ردٍّ صريح.

وممّن يُمثّل الموقف الأول: "القاضي عبد الجبّار الهمداني" (٥) و"محمود أبو رية" الّذي نعت الحديث بأن فيه نفَسًا من أثر المسيحية؛ أي أنَّ الرُّواة المتأثرين بالمسيحية هم الذين اختلقوا هذا الحديث،


(١) تقدم تخريج الحديث.
(٢) "المفهم" (٦/ ١٧٨) .
(٣) انظر: "قواعد الأحكام" العز بن عبد السلام (١/ ٥٥) .
(٤) تقدم تخريجه.
(٥) نسبه إليه الرازي في "مفاتيح الغيب" (٣/ ٢٠٥) والآلوسي في تفسيره "روح المعاني" (٣/ ١٣٧) وسيأتي سوق ما اعترض به على الحديث.

<<  <   >  >>