للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون كل ذلك، ويحفظ الله تعالى ذلك الولد من ضرره في قلبه، ودينه، وعاقبة أمره. والله تعالى أعلم) (١) .

وأما الجواب عن الاعتراض الرابع - وهو: دعوى أن الشيطان إنما يدعو من له تمييز، والمولود لا تمييز له ... الخ -؛ فيقال:

هذا الاعتراض لا محل له هنا؛ لأنه قد سبق بيان أن النخْس ليس المقصود به الإغواء والتضليل؛ ليصح إيراد هذا الاعتراض. وإنّما هو: طعْنٌ يترتّب عليه استهلال الطفل صارخًا، كما هو مبيّن في الحديث. وعليه؛ فهذا الاعتراض، وما سَبَقه من اعتراضات لا يتحصّل من أفرادها، ولا من مجموعها ما يقوى على إبطال ما دلّ عليه الحديث. فالحديث قد أبان عن أمر غيبي، فوجب الإذعان، والتسليم لما دلّ عليه. والعقل لا يُحيل ما دلّ عليه.

وأمّا تأويل الزمخشري للنخس بأنه: طمَعُ الشيطان في إغواء كلّ مولودٍ سوى مريم وابنها عليهما السلام، وكذلك كلّ من كان في صفتهما = فتأويلٌ متهافتٌ. وبيان ذلك من وجوه:

الوجه الأول: التأويل فرع عن الامتناع، ولا مانع يمنع من إجراء الحديث على معناه المتبادر منه. وإذا بطل الأصل - وهو: الامتناع - بطل الفرعُ؛ ولا بدّ.

الوجه الثاني: أنّ طمع الشيطان في الإغواء لا يوجب استهلال الطفل صارخًا؛ لكون الطمع في حقيقته أمرٌ وجداني لا يسري أثره إلى الغير.

الوجه الثالث: أن الحديثَ صرّح بالنّخْس والطّعْن المُوجِب لصُراخ الطّفل. وترتيب الاستهلال على النّخس بـ"فاء" السببية يُؤْذِن بأن علّة


(١) "المفهِم" (٤/ ١٥٩ - ١٦٠) .

<<  <   >  >>