للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين الخبرين. فتقدير الإضلال أصدق من تقدير الطعن؛ لدلالة الأدلة عليه.

وأما الأمر الثاني: فإن الطعن ليس بِضَررٍ؛ إذ لو كان كذلك لسلِم منه الأنبياء، والأولياء؛ إذْ هم أولى بهذا المعنى.

يقول الإمام أبو العباس القرطبي - رحمه الله - في بيان معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لم يضرّه شيطان أبدًا): (قيل معناه: لم يضرّه: لم يصْرعْه الشيطان. وقيل: لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته، ويطعن في خاصرة من لا يقال له ذلك. قال القاضي: لم يحْملْه أحدٌ على العموم في جميع الضرر، والإغواء، والوسوسة.

قلت - القائل: القرطبي-: أمّا قصرُه على الصرع وحده فليس بشيء؛ لأنه تحكُّمٌ بغير دليل، مع صلاحيّة اللفظ له ولغيره. وأما القول الثاني: ففاسدٌ؛ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل مولود يطعن الشيطان في خاصرته إلا ابن مريم ... ) هذا يدلّ على أنّ الناجي من هذا الطعن إنما هو عيسى وحده عليه السلام؛ وذلك مخصوص دعوة أم مريم؛ حيث قالت: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦)} آل عمران: ٣٦، ثم إنّ طعنه ليس بضرر. ألا ترى أنه قد طعن في كثير من الأولياء، والأنبياء، ولم يضرهم بذلك. ومقصود هذا الحديث - والله تعالى أعلم -: أن الولد الذي يقال له ذلك يُحفَظ من إضلال الشيطان، وإغوائه، ولا يكون للشيطان عليه سلطان؛ لأنه يكون من جملة العباد المحفوظين المذكورين في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} الحجر: ٤٢ وذلك ببركة نية الأبوين الصالحَين، وبركة اسم الله تعالى، والتعوّذ به، والالتجاء إليه. وكأن هذا شَوبٌ من قول أم مريم: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٣٦)} آل عمران: ٣٦ ولا يُفهم من هذا نفْي وسوسته، وتشعيثه، وصرعه = فقد

<<  <   >  >>