للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشرعية. ولا يلزم من ذلك الحطُّ من رتبة الأنبياء والأولياء؛ لأن الرتبة والمنزلة ليستا تبعًا للقدرة ثبوتًا وعدمًا، إلا عند من كابر وأنكر البدهيات.

وبول الشيطان في أُذُن العبد هو في الحقيقة أَثَرٌ عن تفريط العبد نَفْسِهِ في الأَخذ بالأسباب المُعِينة على دفعه؛ فالعبد في هذه الحالة مختار لا مجبور. فلما وقع التفريط باختياره تَسلّط الشيطان عليه؛ بأنْ بال في أُذنه، وزيّن له النوم حتى أصبح. فليس للشيطان إلا التزيين والإغواء. ومن استعان بالله والتجأ إليه وقاه تزيين الشيطان وإغواءَه، ومن أطاعه وتولاّه تسلّط عليه الشيطان.

والطاعة اختيار -بلا شك-. ومما يفسِّر لك ما سَلَف: ما جاء في حديث أَبي هريرة - رضي الله عنه - (يَعْقِد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد -إذا هو نام-، ثلاث عقد، يضرب على كل عُقْدةٍ مكانها: عليك ليل طويل فارقُدْ، فإذا استيقظ فذكر الله انْحلَّت عُقْدة، وإذا توضأ انحلَّت عنه عقدة، فإن صلّى انحلَّت عُقَده، فأصبح نشيطًا طيّب النَّفْسِ؛ وإلاّ أَصبح خبيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ) (١) .

فهذا الحديث يُبطِل دعوى الجبر من أصلها؛ فالعقْد الذي هو فعل الشيطان يحصل لصنفين من الناس:

فأما الصنف الأول: فلا يضرّه عقد الشيطان على قافيته، ولا ينفذ أثره؛ لاعتصام هذا الصنف والتجائه إلى الرب تبارك وتعالى بالصلاة والذكر، فيبطل كيد الشيطان. والاعتصام والالتجاء سببان يبذلهما العبد، وهما فرعان عن ثبوت الاختيار.


(١) أخرجه البخاري في: كتاب"بدء الخلق" باب"صفة إبليس وجنوده" (٦٦٨ - رقم [٣٢٦٩]-ط/دارالسلام)، ومسلم في: كتاب"صلاة المسافرين وقصرها"،باب"ماروي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح" (١/ ٥٣٨ - رقم [٧٧٦]) .

<<  <   >  >>