للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنها من طرق؛ الجملة: أن نقول: لا يمكنكم الاستدلال بالسمع على هذه المسألة؛ لأن صحة السمع تنبني على كونه تعالى عدلًا حكيما، لا يُظْهرُ المعجزَ على الكذابين، وأنتم قد جوّزتم ذلك على الله تعالى؛ فكيف تقع لكم الثقة بكلامه؟! وهلاّ جوّزتم أن يكون كَذِبًا؟!) (١)

والقاضي عبد الجبار لم يعتبر صحة الاستدلال بالدليل السمعي مرتبًا على إثبات المقدمات في هذه المسألة فقط؛ لأنه لا يعتدّ بالدلالة السمعية مطلقًا إذا خالفت أصوله -كما سبق تقرير ذلك-.

وأَمَّا المَسْلك الثاني: فتطريق الاحتمالات على دلالة النص؛ بحيث لا يبقى مكان للقطع والنّصية.

يقول الرَّازي مؤصِّلًّا لهذا المَنْحى: (الدَّلائِلُ اللَّفْظيَّةِ لا تكون قطعيَّةً؛ لأنّها موقوفة على نقل اللُّغات، ونقل وجوه النَّحو والتصريف، وعلى عدم الاشتراك، والمجاز، والتخصيص، والإضمار، وعدم المعارض النقلي والعقلي = وكلّ واحدة من هذه المقدّمات مظنونة. والوقوف (٢) على المظنون أولى أن يكون مظنونًا = فثبت أَن شيئًا من الدلائل اللفظيَّة لا يمكن أن يكون قطعيًا) (٣)

وهذا المَسْلك -أَي: طرد نفي دلالة الأدلة اللفظية- في حقيقته هَدْمٌ للشريعةِ؛ لأنه سَلْب لليقين في أَحكامها وأَخبارها - وقد تقدم بطلانه -.

الطريقة الثانية: بطلان إهدار الاحتجاج بالسنة الآحادية.

الضرورة الإجماعية قائمة على الاحتجاج بالسنة الآحادية متى


(١) "شرح الأصول الخمسة" (٣٨١) وانظر: له أمثلة أخرى على هذا المسلك (٢٢٦، ٣١٥، ٣٥٤، ٣٥٥، ٤٦٩)
(٢) كذا في الأصل، ولعلَّ الصواب: والموقوف.
(٣) "أساس التقديس"للرازي (١٣٧)

<<  <   >  >>