للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه. وإنما الحديث مع القرآن بمنزلة الحديث مع الحديث الموافق له، والآية مع الآية الموافقة لها، وبمنزلة موافقة القرآن للتوراة؛ حتى قال النجاشي لمّا سمع القرآن: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرُج من مشكاةٍ واحدة ... ولهذا كان أَئمةُ السَّلف يذكرون الآيات وما يناسبها من الأحاديث في هذا الباب وسائر أبواب العلم ... إذا ذُكِرت الآيات في محبة العبد لربه وتوكله عليه، وإخلاصه له، وخوفه، ورجائه، ونحو ذلك = ذُكر معه الأحاديث الموافقة للقرآن في ذلك. وكذلك؛ إذا ذُكِرَ ما في القرآن من صفة المعاد، والجنة، والنار = ذُكر ما في الأحاديث مما يوافق ذلك ... ومعلومٌ بالضرورة أَنَّ هذا مِمَّا اتَّفَقَ عليه المسلمون، وهو أحسن ما يكون مِنْ بيان اتفاقِ القُرآن والحديثِ. فهذا نَافعٌ في تفسير القرآن الذي هو تأويله الصحيح، ونافعٌ في إثبات ما دل عليه القرآن والحديث من الأحكام الخبرية العلميَّة الاعتقاديَّة، والأحكام العمليَّة والإِرادية ... ) (١)

وهذا الاتساق والمطابقة يكشف عن مَغْلطةِ رَدّ هذه الأخبار بدعوى أَنَّ ثبوتَها ليس قطعيًا؛ ذلك لأَنَّ الدَّلائل القرآنيَّة دلَّت على أصل هذه الأخبار. ولا مكان لطروء الظن في ثبوت القرآن؛ فلم يك للمخالفين بُدٌّ للخروج من وَرْطةِ هذه المُناقضة = إلا بالتَنصُّل بأحَدِ مسلكين فاسدين:

الأول: رَهْن صحة الاستدلال بالدلالة السَّمعية؛ على مقدمات عقليَّة نَظموها لتكون أصلًا -بزعمهم-؛ ليصح الاستدلال بالسمع بعدها.

يقول القاضي عبد الجبار -في رَدِّه على من يستدل بآيات القرآن على كون أفعال المخلوقين خلق لله تعالى-: (والقوم يتمسكون بآيات القرآن، ويستدلّون بها على أن أفعال العباد موجودة من جهة الله تعالى = والجوابُ


(١) "جواب الاعتراضات المصرية" لابن تيمية (٤ - ٧)

<<  <   >  >>