للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غُيِّب عنا علم حقيقتها، فبالأحْرَوِيّةِ ألاّ نعلم ما غُيّب عنا من إدراكاتها) (١) .

ثم إنَّ دعوى المعتزلة بانتفاء الإدراك لانتفاء شرطه = مُسلَّمٌ؛ متى كان ما اشترطوه يُعدّ شَرْطًا حقيقيًا لحصول الإدراك، أَمَّا إذا لم يكن كذلك، فدعوى لزوم توفر هذه الشروط = دعوى تفتقر إلى برهان يصدقها.

وزيادة في البيان: فإنَّ ما اشترطه المعتزلة من شروط لتحقق الإدراك لا يصلح كثير منها لتحقق الإدراك في حال اليقظة؛ فَضْلًا عن حَالِ النَّوم. فاشتراط المقابلة -مثلًا- ليس شرطًا لا يتحصل الإدراك مطلقًا إلا به، فقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لا تستبقوني بالركوع، ولا بالسجود فإني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يديّ) (٢) .

وكذلك ما اشترطوه من انبعاث الشعاع؛ فإنَّ هذا الشَّرْطَ مَبنيٌ في الأَصْلِ على اعتقادهم أَنَّ العين هي التي تبعث أَشعَّتها على المرئي، فيتحقق الإدراك. وهذا بحسب ما بلغت إليه معارفهم. والعلم الحديث يبرهن على خلاف ذلك؛ فالعين جهازٌ بصري، ليس مصدرًا لانبعاث الشعاع، وإنما مُسْتقبِلٌ للإثارة المضيئة (٣) . هذا إذا سُلّم لهم بأَنَّ الإدراك المُتَحَقِّق في الرُّؤيا لا سبيل إليه إلا بالعين الباصرة -وسيأتي بيان ذلك-.

وأما ما ذكره بعض الأشاعرة من امتناع الرُّؤيا بدعوى أَنَّ النَّوم والإِدراك لا يجتمعان، فيقال:


(١) "المفهم" (٦/ ٦) .
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب "الأذان" باب "إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف" (١٤٤ - رقم [٧١٨]) ومسلم كتاب "الصلاة"، باب "تحريم سبق الإمام بركوع وسجود أو نحوهما" (١/ ٣٢٠ - رقم [٤٢٦]) .
(٣) انظر: "موسوعة الشباب" (٢٤٧ - العدد (٨)) .

<<  <   >  >>