للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِنَّ النَّوم وإنْ تسلَّط على الجوارح فأصابها بالرُّكود؛ فلا يلزم من ذلك أن يسري أثره إلى القلب والروح. فيتحصّل حينئذٍ الإدراك بجزءٍ لم يحلّه النوم، فيبطل بذلك دعوى مخالفة الضرورة.

وفي تقرير ذلك يقول ابن العربي - رحمه الله -: (خلق الله العبد حيًّا، دَرَّاكًا، مُفكّرًا، قادرًا في أحسن تقويم، ثم رَدّه أسفل سافلين، ثم سَلَّط عليه السّهو والغفلة؛ ليتبين قصور هذه الفضائل التي فيه، حتى لا يقول: أنا، أنا. وسلّط عليه النوم؛ وهذه آفة تُدْرِكُ الحواسَّ، وركودٌ يقوم بالجوارح؛ لا يلحق القلب، ولا الروح، ولا النفس منها شيءٌ. ولذلك؛ فإن الرُّؤيا حقيقةٌ، وعلمٌ صحيحٌ) (١) .

ويقول أبو العباس القرطبي - رحمه الله -: (إنْ قِيل: كيف يقال: إن الرُّؤيا إدْراكٌ مع أنّ النوم ضد الإدراك؛ فإنه من الأضداد العامة، كالموت، فلا يجتمع معه إدراكٌ؟

فالجواب: إن الجزء المُدْرَك من النائم لم يحلّه النوم، فلم يجتمع معه، فقد تكون العين نائمةً، والقلبُ يقظانَ) (٢) .

ومما يبرهن على ذلك قول النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي) (٣) (٤) والمقصود بيان عدم مناقضة ما دلَّت عليه أحاديث الرُّؤيا لبرهان العقل.

وأَمَّا دعوى أَنَّ عادة الله لم تَجْرِ بحصول الإدراك في المنام = فمُكابرة تنقضها المشاهدة.


(١) "المسَالك في شرح موطأ مالك" (١/ ٤٢٧) .
(٢) "المفهم" (٦/ ٨) .
(٣) أخرجه البخاري كتاب "صلاة التراويح" باب "فضل من قام رمضان" (٣٩٦ - رقم [٢٠١٣]) ومسلم كتاب "صلاة المسافرين وقصرها" باب "صلاة الليل وعدد ركعات النبي - صلى الله عليه وسلم - " (١/ ٥٠٩ - رقم [٧٣٨]) .
(٤) "المفهم" (٦/ ٨) .

<<  <   >  >>