ما بلغته معارفهم، فيبقى تصحيح وجودها مُرْتَهَنًا بما توصّل إليه الطب الحديث. وهو أمرٌ يحتاج إلى مزيد فَحص.
ثم إن ما ارتآه "فرويد" في تعليل نشوء الأَحلام = غير سديد؛ إذ عَدّ الدور الأكبر في نشوئها للرغبات الجنسية المكبوتة. وهذا ما لم يبرهن عليه أولًا.
ثانيًا: أن المشاهدة تخالف ذلك؛ إذ ليس كلّ الأحلام تدلّ بالضرورة على الرغبات الجنسية.
ثالثًا: أَن فرويد يُقِرّ أنّ من مثيرات الأَحلام ما هو ناشئ عن مصدر عضوي؛ كعسر الهضم مثلًا. وهذا ممّا يدلّ على عدم تماسُك تفسيره.
رابعًا: أنه لم ينكر أنّ من الأحلام ما ينشأ عن الشعور ذاته، ومِنْ ثَمّ لا علاقة له باللاشعور. وهذا أيضًا مما يوهن نظريته. لكن الإشكال يكمن في تمييز إمكانية النابع من كليهما (١) .
أما ما ذهب إليه الراغب الأَصفهاني وابن خلدون - رحمهما الله - من نسبة حدوث الرُّؤيا إلى فعل النّفْسِ الناطقة = فقول يفتقر إلى توقيف من الشارع. والسلامة في ترك الخوض فيما غُيِّبَت عنّا أسبابه.
وأما المازري فقد قَصَرَ نُبوع الرُّؤيا على خلق الله تعالى دون توسط أسباب في ذلك، وعلى قوله هذا تكون الرُّؤيا المُحزنة من الله أيضًا، وهذا ما تنفيه الأدلة؛ حيث أَضافت ذلك إلى الشيطان. والذي دعاه إلى هذا القولِ نَفْيُه أن يكون للأسباب أثرًا في مسبّباتِها، جَرْيًا على ما قرر الأشاعرة في ذلك.
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: (وهذا موضعٌ اضطرب فيه الناس .. فمِن قائلٍ: إن هذه المرائي عُلوم علقها الله في النفس ابتداءً بلا سبب.
(١) انظر: "موسوعة اليهود واليهودية" للدكتور عبد الوهاب المسيري (٣/ ٤٥٣) .