للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الإمام النَّووي بعد نقله كلام القاضي عياض: (قلتُ: والصواب الأوَّل؛ لأنه ظاهر الحديث. ولا مانع من حمله على حقيقته = فوجب الحكم بأنه على ظاهره - والله أعلم -) (١) .

والقول الثاني: أن الحديث خرج مخرج التشبيه؛ أي: كأنه نار جهنم في الحرِّ، فاحذروه واجتنبوا ضرره. وكذا يقال في شدة البرد.

وهذا القول ذهب إليه الخَطَّابي، ونقله عنه ولم يتعقبه ابن الملك (٢) .

والَّذي يترجح - والله أعلم - ما ذهب إليه أَصحاب القول الأول من حَمْلِ الحديث على الحقيقة. والمصير إلى ذلك هو الأقوى من جهة النظر؛ خصوصًا شهادة الرِّوايات بعضها لبعض، وتعاضدها في نسبة شدة الحر والبرد إلى جهنَّم. وسيأتي بسط القرائن المرجحة لهذا القول حين التعرُّض للقضية الثانية.

القضية الثانية: بيان معنى اشتكاء النَّار إلى ربِّها وإذنه لها بنفَسين.

وهذه القضية أيضًا انسحب عليها خلاف أهل العلم؛ تبعًا للقضية الأولى على قولين:

الأول: وهو حَمل الحديث على حقيقته، وأنَّ شكوى النار بلسان مقالها لا بلسان حالها، وأَن النَفَسَ المضاف إليها هو تنفُّس حقيقي يناسب خِلْقتها.

والقائلون بهذا القول قد تقدم الإشارة إليهم، وسيأتي النقل عن بعضهم.

القول الثاني: أَنَّ شكوى النار وتنفسها = مجاز، لا حقيقة؛ فالشكوى بلسان حالها لا مقالها، على جهة التوسّع في الاستعمال، كما قال الشاعر:


(١) " شرح صحيح مسلم " (٥/ ١٢٠) .
(٢) انظر " مبارق الأزهار " (١/ ٣٠٢) .

<<  <   >  >>