للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله -: (فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مذ أَخبر أنَّها تسجد كل ليلة تحت العرش، فقد عُلم اختلاف حالها بالليل والنّهار؛ مع كون سيرها في فلكها من جِنْس واحد، وأن كونها تحت العرش لا يختلف في نفسه، وإنما ذلك اختلاف بالنسبة والإضافة = عُلِم أنَّ تنوع النِسَبِ والإضافات لا يقدح فيما هو ثابتٌ في نفسه لا مختلف) (١) .

وقال العلامة عبد الرحمن المعلمي - رحمه الله -: (فلم يلزم مما في الرّواية الثَّالثة من الزيادة -يعني: رواية إبراهيم التميمي (حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخر ساجدةً) = غيبوبة الشَّمس عن الأرض كلها، ولا استقرارها عن الحركة كل يوم بذلك الموضع الذي كتب عليها أن تستقر فيه متى شاء ربها سبحانه) (٢) .

فغروب الشَّمس المذكور في الحديث هو: سيرها، وجريانها الذي أخبر عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وإلا؛ فليس للشمس مغرب حقيقي ثابت. قال ابن عاشور - رحمه الله -: (والمراد بـ "مَغْرب الشَّمس" =مكان مغرب الشَّمس من حيث يَلُوحُ الغروب من جهات المعمور ... وذلك حيث يلوح أنه لا أرض وراءه؛ بحيث يبدو الأفق من جهة مستبحِرة؛ إذ ليس للشمس مَغْربٌ حقيقي إلا فيما يَلوح للتخيُّل) (٣) .

وتعليق الجريان بحصول انتهائها إلى مُسْتقرِّها، ليس المراد منه - والله أعلم - توقف سيرها المعتاد تَوقّفًا مَلْحوظًا، وإِنما هو بيان (عن انتهائها إلى أن تُسامِتَ جزءًا من العرش معلومًا؛ بحيث تخضع عنده وتذلّ، وهو المُعبَّر عنه بسجودها، وتستأذن في سيرها المعتاد من ذلك المحل متوقعة ألا يؤذن لها في ذلك .. ) (٤) .

وقد يعترض معترضٌ بأنَّه إذا كان العرشُ كالقبة على هذا العالم؛


(١) " بيان تلبيس الجهمية " (٤/ ٥٤) .
(٢) "الأنوار الكاشفة" للمُعلِّمي (٢٩٥) .
(٣) " التحرير والتنوير " (٨/ ٢٥) .
(٤) " المفهم " للقرطبي (٧/ ٣٤٤) .

<<  <   >  >>