فيقال: قد تقرر أن لهذه المخلوقات سجودًا خاصًا يناسب حالها، وهو فِعْلٌ لها يقع منها في بعض الأحوال، مع دوام افتقارها وخضوعها للربِّ تبارك وتعالى؛ لنفوذ مشيئته فيها. وسجود الشَّمس تحت العرش هو سجود مخصوص يناسبها، وهذا السجود لا يلزم منه سلب الخضوع والافتقار الدائم الذي تشترك فيه مع بقية الخلق؛ فلكل شيء سجود يختص به يفارق غيره من المخلوقات، وسجود يشترك فيه مع غيره.
وأما الشبهة الثالثة: وهي دعوى إسماعيل الكردي: أن من البَدَهيَّات المستقرة والمشاهدة: أن الشَّمس مستقرة في مكانها؛ لا تذهب لعرش، ولا مكان آخر ... الخ
والجواب: القول إذا تناهى في الفَسَاد عَسُرَ التكلّف في بيان وَجهِ بطلانِه. والذي يُطَالب به في هذا المقام: تصحيح مقدمتيه التي بنى عليهما بطلان الحديث؛ وذلك بالكَشْف عن وجه البداهة المستقرة في كون الشَّمس ثابتة لا متحركة؛ كون ذلك مما يشهده الحِسّ. ودون الكشف عن ذلك خرط القتاد.
ودعواه: بدهيَّة مركزية الشَّمس وثباتها = وَهْمٌ أوقعه فيه أُنْسُه بكثرة القائلين بهذه النظرية. ألا فإن هذه النظرية لم تصل إلى رتبة القطعيات المسلم بها؛ باعتراف الفلكيين أنْفُسِهم. يقول الإيطالي فابريتسيو بونولي (١): (بالرغم من كلِّ ما تم الكشف عنه في حقل البحوث العلمية؛ فإن الحوارات والمناقشات التي تناولت كلا النظريتين " مركزية الأرض، ومركزية الشَّمس " = قد شغلت فترة طويلة من الزمن، كما أن الصِّراع
(١) فابريتسيو بونولي: أستاذ تاريخ العلوم الفلكية في جامعة بولونيا - إيطاليا يشغل منصب مدير متحف الإسببكولا، ومنصب نائب رئيس المجمع الفلكي الإيطالي، ورئيس تحرير مجلة العلوم الفلكية الصادرة باللغة الإيطالية. اهتم بدراسة الفيزياء الفلكية = مختصر تاريخ الفلك (٧٩) .