للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره، فلها صلاة وتسبيح وخشية؛ كما قال جل ذكره: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} الإسراء: ٤٤ ... فيجب على المرء الإيمان به، ويَكِلُ علمَه إلى الله تعالى) (١) .

وما يقال في التَّسبيحِ والخَشْيةِ، يقال في السجود؛ فإنَّ مَن فسَّره بأنه سجود مجازي يراد به الافتقار الدائم للرَّب تبارك وتعالى، ونفوذ مشيئته فيها. وقَصَر تفسيره على هذا المعنى = فإن هذا التفسير باطل؛ فإنَّ هذا الوصف لا تنفكُّ عنه هذه الكائنات، بل هي في جميع حالاتها ملازمة للافتقار، منفعلة لمشيئة الرَّب وقدرته.

والدَّلائلُ السَّابِقَةُ تدلُّ على أَنَّ السجود فِعل لهذه المخلوقات - بما فيها الشَّمس - لا أنه اتصال؛ وإلا لما قسّم السجود إلى طَوع وكَره. فلو كانت لا فعل لها لما وُصفت لا بطوع منها، ولا كره (٢) .

وسجود الشَّمس وغيرها من المخلوقات لا يلزم منه أن يكون بوضع رأسها على الأرض؛ بل هو خضوع للربِّ يُناسب حالها (٣) .

فإن قيل: إنَّ ظاهر الأَدلَّة أن الشَّمس لا تختص بهذا السجود بل يشركها في ذلك بقية الكائنات؛ وهذا ما دل عليه قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} الرعد: ١٥.

وقوله جل وعلا: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩)} النحل: ٤٩. فتخصيصها في الحديث بذلك يدلّ على أن سجودها هذا يمتاز عن سجود بقية المخلوقات. وقد يفهم منه أيضًا: انتفاء خضوعها إلا في حالة سجودها تحت العرش.


(١) " معالم التنزيل " (٤٣) .
(٢) انظر: " رسالة في قنوت الأشياء كلها لله " (١/ ٣٤ - ٤٤ - ضمن جامع الرسائل) .
(٣) المصدر السابق (١/ ٤٥) .

<<  <   >  >>