للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سجودًا مجازيًا بمعنى مجرد الانقياد كما ذهب إليه بعضهم (١)؛ فإن القول بالمجاز خلاف الأصل الظاهر، ولا يصح المصير إليه مع إمكان الحقيقة. والعدول عن الحقيقة إلى المجاز لأجل القرينة العقلية، وهي امتناع السجود ممن لا إدراك له = فاسد لأمرين:

الأمر الأوَّل: أن ذلك يمكن أن يصح لو أقام النَّافي للحقيقة البرهان على امتناع حصول الإدراك للشمس مطلقًا، أو حال سجودها واستئذانها؛ ولا دليل = فالمنع باطل إذًا.

والأمر الثاني: أن الشرط في القرينة الصارفة للحقيقة = أن تكون متقررة عند مَنْ وُجِّه الخطاب إليه؛ بحيث لا يَسْتريب السامع من بطلان ظاهر الكلام (٢). أما إذا تحقق أن يكون الكلام على حقيقته وظاهره؛ لكونه خبرًا من المعصوم الذي يخبر عمن يعلم ما لا نعلم، ويقدر على ما لا نقدر، وسجود الشَّمس حقيقة واستئذانها؛ مما يدخل في مقدوره جل وعلا بلا رَيْبَ = فلا يَصحُّ التشبث بالقرينة المدّعاة التي تصرف الحديث عن ظاهره.

وإذا اعتبرتَ الدَّلائل الأولى تبيَّن لك أنّ لهذه الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء إدراكًا يناسب حالها؛ فإن الله عز وجل حين ذكر أصناف الحجارة قال: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} البقرة: ٧٤ ولما ذكر الطير قال: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} النور: ٤١.

قال الإمام البغوي في قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} البقرة: ٧٤: (فإن قيل: الحجر لا يَفْهمُ، فكيف يخشى؟ قيل: الله يُفهمها، ويُلهمها؛ فتخشى بإلهامه. ومذهب أهل السنة: أن لله علمًا في


(١) انظر: " دفاع عن السُّنَّة " للدكتور محمد أبو شهبة (٩٤).
(٢) انظر: " ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان" لا بن الوزير (٣٣٥).

<<  <   >  >>