للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا ... ) (١)

وبهذا يتحرّر أنَّ تثبيت خبر الواحد، وإِن لم يك عند الشافعي بمنزلة الرُّتبة الأولى؛ فليس معنى ذلك انتفاء الإجماعِ بالمرَّةِ في هذا الباب، وكونُه ليس محكمًا. ذلك أنْ نقله لعدم اختلاف فقهاء المسلمين في تثبيته = هو إجماع في واقع الأمر؛ لكنه من الإجماع الخاصِّ "السكوتي" الذي يَخْرجُ عن حَدِّه الذي أبانه - رحمه الله - وعَدَمُ تسميته إياه إجماعًا لا يضيرُ ما دام الاحتجاج به قائمًا، وكان انعقادُهُ مقطوعًا به.

ومن قرائن قطعيته: أَنّ الإمام الشافعيَّ نَفْسَهُ لم يَعْدُدْ مخالفًا في تثبيت خبر الآحاد؛ إلا طائفةً نَعَتَهَا بأَنَّها فرقة من أَهل الكلام، وممن نسبته العامة إلى الفقه وليس كذلك. وفي ذلك يقول: (لم أسمع أحدًا نَسَبَهُ النّاسُ أو نَسَبَ نفسه إلى علم =يُخالِف في أن فَرْضَ الله عز وجل اتباع أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتسليم لحكمه. . . وأن الله فرض علينا، وعلى مَن بعْدَنا وقبْلنا في قبول الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واحدٌ؛ لا يختلف في أن الفَرْضَ والواجبَ قبولُ الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا فرقةٌ سأصف قولها - إن شاء الله - ... ثم تَفرّق أهل الكلام في تثبيت الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقًا متباينًا، وتفرق غيرهم ممن نَسَبَتْه العامة إلى الفقه فيه تفرُّقًا) (٢)

ثم بعد أن حكى قولَ الطائفة التي ردّت الأخبار كلها، قال عن فرقة أخرى من فرق أهل الكلام: (فوافقَنا طائفةٌ في أن تثبيت الأَخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لازم للأمة. ورأوا ما حكيتُ مما احتججتُ به على من رَدَّ الخبر = حجّة بثبوتها ... ثم كلّمني جماعة منهم مجتمعين ومتفرقين ... فكانت جملةُ قولهم أَن قالوا: لا يسعُ أحدًا من الحكام والمفتين أن يُفْتيَ


(١) "الرسالة" (٥٣٤)
(٢) "جماع العلم"للإمام الشَّافعي (٩/ ٥ - الأم)

<<  <   >  >>