للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإحاطة العلم به في الظاهر والباطن. وهذا حقٌّ وهو الأَصل في خبر الواحد الذي يرويه العدل ما لم يحتفَّ بخبره قرينةٌ ترقى به إلى رُتْبةِ القطع.

وممَّا يُبيِّنُ ذلك: ما ذكره الإمام ابن القصَّار - رحمه الله - مُحقِّقًا مذهب الإمام مالك - رحمه الله - في خبر الواحد، فقال: (ومذهبُ مالكٍ - رحمه الله - قبولُ خَبَرِ الوَاحِدِ العدل، وأَنَّه يُوجِبُ العمَلَ دون القَطْعِ على غَيْبِهِ، وبه قال جَميعُ الفقهاءِ ...... وإنَّما لم يُقطَعْ على غَيْبِهِ؛ لأنَّ العلم لا يَحْصلُ من جِهَتِهِ، إِذ لو كان يَحْصُلُ من جِهَتِهِ العلمُ =لوَجَبَ أَنْ يَسْتوي فيهِ كُلُّ مَن سَمِعَهُ كما يستوون في العلم بُمخْبِرِ خَبَر التَّواتُرِ، فلمَّا كُنَّا نَجِدُ أَنْفُسَنَا غَيْرَ عالمِينَ بِصِحَّةِ مُخْبِرِه =دَلَّ على أنَّه لا يُقطَعُ على مُغيَّبه، وأنَّه بخلاف التَّواتُر، وصار خبر الواحِدِ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهد الَّذي قد أُمِرنا بِقَبُولِ شهادته، وإن كُنَّا لا نقطعُ على صِدقهِ) (١)

ومحصل القول: أن خبر الآحاد المجرد عن القرائن يفيد العلم؛ لا على جهة الإحاطة التي يقع الجزم معها بأنه كذلك في نفس الأَمر.

فإن قيل: ما دام الجزم والقطع منتفٍ فما وجه القطع في مثله؟

قيل: القطع حاصل من جهة انبعاث الدليل لدى الناظر فيه على رجحان صدق الخبر. وهذا الرجحان مقطوع به عنده في هذه الحال، وإلا لما اعتقد موجبه (٢)؛ فإنَّ الشريعة لم تُوجِب اتباع الجهل


(١) "المُقدِّمةُ في الأُصول" (٦٥ - ٦٧) وابن القصَّار (؟ -٣٩٧ هـ):هو علي بن عمر بن أحمد البغدادي، القاضي أبو الحسن ابن القصَّار، شيخ المالكية، من تصانيفه: كتاب في الخلاف، و"المُقدمة في الأصول"=انظر: "السير" (١٧/ ١٠٧)،و"شجرة النور الزكيَّة" (١/ ٩٢)
(٢) انظر: "مختصر الصواعق المرسلة" (٤/ ١٥٣٤)

<<  <   >  >>