للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا الظن، بل أَمرت باتِّباع العلم، وزَجَرَت عن تَقفِّي الظنون. وهذا معلوم بيِّنٌ.

وما سبق هو بالنسبة لخبر الآحاد المتجرد عن القرائن، وأمَّا إذا احتفّت به القرائن، ومنها تلقي الأمة للحديث بالقبول -كما هو الحال في جمهور أحاديث الصحيحين- = فإنه حينئذٍ يبلغ أَعلى درجات اليقين، والعلم بمضمونه على سبيل الإحاطة. وهذا مما لا نزاعَ فيه بين سَلَفِ الأُمَّة، وهو مذهب الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة (١) وإنما نازع في ذلك بعض المتأخرين من المتكلمين، ومن وافقهم.

وممن ذهب إلى إفادة الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول؛ العلمَ =الإمام أَبو عمرو ابن الصَّلاح - رحمه الله -، حيث قال مُقرّرًا ذلك بعد بيانه أقسام الصحيح: ( ... وأعلاها (٢) الأوَّلُ =وهو الَّذي يقولُ فيه أهل الحديث كثيرًا: ((صحيح مُتَّفقٌ عليه))،يُطلقونَ ذلك ويعنون به اتِّفاق البخاري ومسلم، لا اتِّفاق الأمَّة عليه. لكن اتفاق الأُمَّةِ عليه لازم من ذلك وحاصِلٌ معه؛ لاتِّفاقِ الأُمَّةِ على تلقِّي ما اتَّفقا عليه بالقبول. وهذا القسم جميعُهُ مَقطوع بصحَّته والعلمُ اليقينيُّ النَّظريُّ واقعٌ به؛ خلافًا لقول مَن نفى ذلك مُحْتجًّا بأنَّه لا يُفيد في أَصْلهِ إلَاّ الظَّنّ، وإنَّما تلقته الأُمَّةُ بالقبول لأنَّه ... يَجِبُ العملُ بالظَّنِّ، والظنُّ قد يُخطئ. وقد كنتُ أميلُ إلى هذا وأَحْسبُه قويًّا ثُمَّ بان لي أنَّ المذهب الَّذي اخترناه أوَّلًا هو الصَّحيحُ =لأنَّ ظنَّ من هو معصومٌ مِن ... الخطإ لا يُخطئ، والأُمَّةُ في إِجماعها معصومةٌ من الخطإ، ولهذا كان


(١) انظر: "جواب الاعتراضات المصرية"لابن تيميَّة (٤٣)
(٢) يقصد أعلى أقسام الصحيح صحةً

<<  <   >  >>