للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذين نفَوْا إفادة مثل هذا الخبر العلم = مَردُّ تأبِّيهم أَمران:

الأوَّل: اعتقادهم: أَنّ العلم لا يتفاوت؛ بل هو خصلة واحدة.

الثاني: أَنّ العلم قرين التواتر؛ فلا علمَ إلا ما كان محصّلًا بالتواتر.

وكلا الأَمرين باطل؛ فإِنَّه من المعلوم بالضرورة الشرعية أن علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بحقّ الله ليس مماثلًا لعلم سائر الخلق. فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (إِنَّ أتقاكم وأعلمكم بالله أنا) (١) فعِلْمه بالله وشرعِه يفوق غيره؛ من جهة قوَّته في نفَسه، ومن جهةكثرة متعلقاته.

وأما الضرورة الوجدانية فأمر يَشْعُرُ به كل عاقل؛ فليس العلم المحصّل من دليل واحد مع انتفاء العلم بفساد ما يناقضها = كالحاصل بأكثر من دليل، مع العلم بِبُطول الشُّبَه المعارضة لها (٢) .

فلا ريب أن التواتر يفيد العلم في أعلى درجاته، لكن لا يلزم من ذلك قَصْر العلم على ما كان متواترًا؛ فإنّ العِلمَ قد يتحصّل من حَالِ الخَبَرِ؛ وذلك بأن تنتفي عنه العلل القادحةُ. أو صِفة المُخْبرِ؛ كإمامته، وصِدْقِه، وضبطه. وبقوةِ إدراكِ المُخبَرِ، وحِذْقِهِ. فإن الذكي يستفيد العِلمَ من الخَبر ما لا يستفيده غيره (٣) .

فهذه قرائن تفيد العلم بمفردها، فكيف إذا اجتمعَت؟

وأما جهة الإحاطة القطعية المحصَّلة من أخبار الآحاد التي


(١) أخرجه البخاري في: كتاب"الإيمان"،باب " باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا أعلمكم بالله وأن المعرفة فعل القلب " (٨ - رقم [٢٠])
(٢) انظر: "مجموع الفتاوى" (٧/ ٥٦٦)
(٣) انظر: "جواب الاعتراضات" (٤١)

<<  <   >  >>