فلما تغير الإمام والرعية، كان الواجب على كلِّ إنسان أن يفعل من الواجب ما يقدر عليه، ويترك ما حرم عليه، ولا يحرم عليه ما أباح الله له.
وقد يُبْتَلى الناسُ من الولاة بمن يمتنع من الهدية ونحوها، ليتمكن بذلك من استيفاء المظالم منهم، ويترك ما أوجبه الله من قضاء حوائجهم، فيكون من أخذَ منهم عِوضًا على كَفِّ ظلمٍ وقضاء حاجةٍ مباحة أحبَّ إليهم من هذا، فإن الأول قد باع آخرته بدنيا غيره، وأخسرُ الناسِ صفقةً من باع آخرته بدنيا غيره.
وإنما الواجب كف الظلم عنهم بحسب القدرة، وقضاء حوائجهم التي لا تتم مصلحة الناس إلا بها؛ من تبليغ ذي السلطان حاجاتِهم، وتعريفه بأمورهم، ودلالته على مصالحهم، وصرفه عن مفاسدهم بأنواع الطرق اللطيفة وغير اللطيفة، كما يفعل ذوو الأغراض من الكُتَّاب ونحوهم في أغراضهم، ففي حديث هند بن أبي هالة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول:«أبلغوني حاجةَ من لا يستطيع إبلاغها، فإنه من أبلغ ذا سلطان حاجةَ من لا يستطيع إبلاغها ثَبَّتَ الله قدميه على الصراط يوم تزلُّ الأقدام»(١)
(١) أخرجه الترمذي في «الشمائل» (٣٣٦)، والآجري في «الشريعة» (١٠٢٢)، والطبراني في «الكبير» (٢٢/ ٤١٤)، وابن عدي: (٧/ ١٣٤)، والبيهقي في «الدلائل»: (١/ ٢٨٥ - ٢٨٩)، و «الشعب»: (١٣٦٢) من حديث رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله، عن ابنٍ لأبي هالة، عن الحسن بن علي قال: سألت خالي هند بن أبي هالة ــ وكان وصافًا ــ عن حلية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكره مطولًا. قال المزي في «تهذيب الكمال»: (٧/ ٤٢٨): (في إسناد حديثه بعض مَن لا يعرف، وحديثه من أحسن ما روي في وصف حلية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود وذكر حديث ابن أبي هالة، فقال: أخشى أن يكون موضوعًا) اهـ.