الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعُك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَرُ الله وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتحُ عملَ الشيطان».
فبالقوَّة الأولى يصير المرء من المهاجرين الذين هجروا ما نهى الله عنه، ومن المجاهدين الذين جاهدوا نفوسهم في الله، وهو جهاد العدو الباطن من الشيطان والهوى.
وبالقوة الثانية يصير من المهاجرين المجاهدين في سبيل الله، الذين جاهدوا أعداءه ونصروا الله ورسوله، وبهم يقوم الدين.
وكثيرًا ما يحصل للرجل إحدى القوتين دون الأخرى، فيختلُّ من أمره بحسب ذلك؛ ولهذا وصَّى العلماء لمن ولي القضاء وغيره من الولايات: أن يكون قويًّا من غير عنف، ليِّنًا من غير ضعف، بمنزلة كف الإنسان [أ/ق ١١] اجتمعت فيه القوة واللين، ليس يابسًا في قوته كالعظم والحجر، ولا ضعيفًا في لِيْنِه كالدم والماء، فإنَّ مَن كان قويًّا على الناس ولم يكن قويًّا على نفسه حتى يكون حليمًا كريمًا ليِّنًا للناس صبورًا على أذاهم= كان فيه من الهَلَع والضيق ما يصير به عاسفًا لهم ولنفسه حتى قد تهلكه شجاعته.
ومن كان قويًّا على نفسه مخالفًا لهواه، إلا أنه ليس فيه قوة على الناس وسلطان يحملهم به على الحق= خرجوا عن الحق، ولم يؤدوا الواجبات ولم يتركوا المحرَّمات.
وقد يكون الرجلان مُتَّصِفَين بالصفات الحميدة، وبعضهم أكمل في بعضها من بعض، فإن الخلفاء الراشدين كلٌّ منهم موصوف بالفضائل التي