يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله، فقال صاحبه ــ وكان أفقه منه ــ: نعم يا رسول الله، اقض بيننا بكتاب الله واذَنْ لي، فقال:«قل»، فقال: إن ابني كان عسيفًا في أهل هذا ــ يعني أجيرًا ــ فزنى بامرأته، فافتديتُ منه بمئة شاة وخادم، وإني سألت رجالًا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مئة وتغريب عام، وأنَّ على امرأة هذا الرجم. فقال:«والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله: المئة والخادم ردٌّ عليك، وعلى ابنك جلد مئة وتغريب عام، واغْدُ يا أُنَيس على امرأة هذا فاسألها فإن اعترفت فارجمها»، فسألها فاعترفت فرجمها.
ففي هذا الحديث أنه لما بذل عن المذنب هذا المال لدفع الحدِّ عنه، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بدفع المال إلى صاحبه، وأمر بإقامة الحد، ولم يأخذ المال للمسلمين؛ من المجاهدين والفقراء وغيرهم.
وقد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمالٍ يُؤخذ أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن [أ/ق ٢٨] المال المأخوذ من الزاني، والسارق، والشارب، والمحارب قاطع الطريق (١)، ونحو ذلك، لتعطيل الحدِّ= مالُ سُحْتٍ خبيث.
وكثير مما يوجد من فساد أمور الناس، إنما هو لتعطيل الحد بمال أو جاه، وهذا من أكبر الأسباب في فساد أهل البوادي والقرى والأمصار، من الأعراب والتُّرْكُمان والأكراد والفلاحين، وأهل الأهواء، كقيس ويَمَن، وأهل الحاضرة؛ من رؤساء الناس وأغنيائهم وفقرائهم، وأمراء الناس ومُقَدَّميهم وجندهم. وهو سبب سقوط حُرمة المتولِّي، وسقوط قَدره من