للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الذي ذكرناه في الرزق والعطاء الذي هو السخاء وبذل المنافع= نظيرُه في الصبر والغضب الذي هو الشجاعة ودفع المضارِّ: أن الناس ثلاثة أقسام: قسم يغضبون لنفوسهم ولربهم، وقسم لا يغضبون لنفوسهم ولا لربهم، والثالث ــ وهو الوسط ــ أن يغضب لربه لا لنفسه كما في «الصحيحين» (١) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده خادمًا له، ولا امرأة، ولا دابة، ولا شيئًا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا نِيلَ منه شيء فانتقم لنفسه، إلا أن تُنْتَهَك حُرُمات الله، فإذا انتُهِكَت حُرُمات الله لم يَقُم لغضبه شيء حتى ينتقم لله تبارك وتعالى».

فأما من يغضب لنفسه لا لربه، أو يأخذ لنفسه ولا يعطي غيره [أ/ق ٢٥]، فهذا القسم الرابع شرُّ الخلق لا يصلح بهم دين ولا دنيا.

كما أن الصالحين أرباب السياسة الكاملة، هم الذين قاموا بالواجبات وتركوا المحرَّمات، وهم الذين يعطون ما يُصْلِح الدين بعطائه، ولا يأخذون إلا ما أُبيح لهم، ويغضبون لربهم إذا انتُهِكَت محارمُه، ويعفون عن حظوظهم، وهذه أخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بذله ودفعه، وهي أكمل الأمور، وكلما كان إليها أقرب كان أفضل.

فليجتهد المسلم في التقرُّب إليها بجهده، ويستغفر الله تعالى بعد ذلك من قصور أو تقصير، بعد أن يعرف كمالَ ما بَعَث الله به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من الدين.


(١) بهذا اللفظ أخرجه مسلم (٢٣٢٨)، وأخرج البخاري (٣٥٦٠) من حديثها بلفظ: «ما خير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تُنْتَهك حُرُمات الله فينتقم لله».

<<  <  ج: ص:  >  >>