القدرية تقول: للكون خالقان: الخالق الأول هو الله جل في علاه، ثم إن البشر يخلقون أفعال أنفسهم، فشابهوا المجوس بهذا التقسيم حيث إن المجوس قالوا: هناك خالق للظلمة وخالق للنور، وهم يفصلون خالق النور، والمجوس يفضلون الله جل في علاه، لكن يشركون مع الله خالقاً آخر وهو أنفسهم، فيقولون: هم خلقوا أفعال أنفسهم، وإن الله لم يخلق أفعال العباد، والرد عليهم بقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد:١٦]، وهذا على العموم، أما على الخصوص فقد قال الله جل في علاه:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات:٩٦]، وهذه الآية فيها دلالة على خلق الله لأفعال العباد تصريحاً في كتابه، وأيضاً من أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله خلق كل صانع وصنعته)، ووجه الدلالة من هذا الحديث -عن طريق اللزوم رداً على القدرية- أن صنعته من فعله، فإن كان خلق صنعته التي هي من فعله، فمن باب أولى أن يكون خلق فعله الذي صنع هذه الصنعة، وأيضاً من ناحية الأثر أن الله جل في علاه خلق أفعال العباد، ومن النظر نقول: فعل العبد ناشئ عن إرادة العبد، وإرادة العبد مخلوقة لله جل في علاه، فإن كانت الإرادة مخلوقة لله فالناتج عن الإرادة أيضاً يكون مخلوقاً لله جل في علاه.
فقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد:١٦]، يدخل تحته أفعال العباد، رداً على القدرية الذين يقولون: إن الله لا يتحكم في أفعال العباد، بل إن الجنة من عمل الإنسان يدخلها بعمله أجرة، فهم لا ينظرون إلى فضل الله ولا إلى رحمته، ولا يعترفون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:(ليس أحد منكم يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)، أما القدرية فقالوا: الجنة مقابل العمل الصالح، والنار مقابل العمل السيئ ولا فضل لله على العباد؛ لأنه لا يتحكم في أفعال العباد، فنحن نرد عليهم بأن مبتدأ الخير كله من الله، والأفعال الحسنة كلها من الله، فمنهم من هدى الله، ومنهم من حقت عليه الضلالة، وأيضاً قال الله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:٥ - ١٠]، فالله جل في علاه أيضاً يقول:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[الأنعام:١٢٥].