وهذا الحشر طريقه إلى الموقف العظيم ألا وهو الحساب، فإن الله يبعث الناس يوم القيامة ويحشرهم للحساب؛ ولذلك يقول الحافظ ابن كثير: إن الفقيه الأريب من يعلم أن الله جل وعلا عندما يترك الناس يتصارعون، فمنهم الظالم، ومنهم المظلوم، ومنهم السارق، ومنهم المسروق، ثم يموت المظلوم والمسروق والظالم والسارق دون أن يؤخذ حقهما، فإنه يعلم علم اليقين أن ثمة يوماً آخر وهو يوم القيامة للإنصاف والأخذ بحق المظلوم والمسروق وغيرهما؛ لأن الله الحكم العدل لا يتصور منه الظلم أبداً، فلابد أن تؤدى الحقوق إلى أصحابها، وفي هذا دلالة على حقيقة القيامة والمثول بين يدي الجبار جل في علاه، وهذا قياس بديع جداً.
إذاً: فلابد من البعث والنشور، ولابد من الحساب بعدهما، فسيحاسب كل امرئ على عمله، على الكلمة، على الضحكة، على النفقة، على كل شيء، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله:(لن تزول قدما عبد من أمام الله جل في علاه حتى يسأل عن أربع: عن ماله كيف اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به)، فلن تزول قدم عبد حتى يسأل عن هذه الأربع.
وقد تكفل الله جل في علاه بعد البعث بالحساب، وليس لأحد دونه إلا البلاغ فقط، كما قال الله تعالى:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[النور:٥٤] وقال: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}[الرعد:٤٠]، وقال جل في علاه:{إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ}[الغاشية:٢٥ - ٢٦] فالحساب على الله جل في علاه وهو الحكم العدل.