[وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور في غير معصية]
ويجب على المسلمين تجاه هذه الأصناف الثلاثة السمع والطاعة لهم، وهذا واجب بالكتاب والسنة، وهو منهج السلف الصالح، ولا يجوز الخروج عليهم إلا إذا عصوا ربهم جل في علاه؛ لأن الطاعة مقيدة بالمعروف، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩]، وفي هذه الآيات العظيمات لفتة مهمة، قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ} [النساء:٥٩]، فجعل الطاعة مستقلة لله، {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء:٥٩]، وجعل الطاعة مستقلة لرسول الله، وقد بينت قبل ذلك كثيراً بأن التوحيد توحيدان: توحيد العبادة لله، وتوحيد الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، فالله جل في علاه قد جعل الطاعة مستقلة له ومستقلة لرسوله صلى الله عليه وسلم.
لا سيما وأن الرسول إما أن يكون مشرعاً، وإما أن يكون ناقلاً للشرع، وقد بينت قبل ذلك الخلاف الأصولي بين العلماء بأن الرسول إما أن يكون ناقلاً للشرع وإما أن يكون مشرعاً أصالة، وبينا الراجح أصولياً.
فإن قيل: فما معنى كونه صلى الله عليه وسلم مشرعاً أو ناقلاً للشرع؟ وما هو الراجح في حقه صلى الله عليه وسلم؟ ف
الجواب
أن معنى كونه مشرعاً أي: محللاً محرماً من تلقاء نفسه، وأما كونه ناقلاً للشرع فمعناه: أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه جل وعلا، ودليل هذا المعنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:٦٧]، ففيها دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله جل في علاه ما يأتيه من الوحي.
إن الله سبحانه قد جعل لنبيه طاعة مستقلة، ثم جعل لولاة الأمور طاعة تابعة لطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فعلى كل امرئ أن يسمع ويطيع لولي الأمر؛ سواء كان هذا الولي قد تولى مستخلفاً، أو تولى بتولية أهل الحل والعقد له، أو تولى بالسيف أو الحديد والنار كما يقولون، فلا بد من السمع والطاعة، وهذا منهج السلف رضوان الله عليهم، قال تعالى: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩]، لكن الله جل في علاه لم يجعل طاعة ولاة الأمور طاعة مستقلة، بل جعل طاعتهم تابعة لطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيه إشارة إلى السمع والطاعة لهم إلا أن نؤمر بمعصية أو بمخالفة لله أو لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا أمرنا بذلك فلا سمع ولا طاعة، والأدلة على ذلك كثيرة من السنة، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وأيضاً قال: (إنما الطاعة في المعروف).
إذاً: فالصحيح الراجح وهو منهج السلف: السمع والطاعة في المنشط والمكره، وهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الصحابة قالوا: (بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره وعلى أثرة علينا).
وأيضاً: فلا بد أن نضع في الحسبان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك فعليك بالسمع والطاعة).
والسمع والطاعة لولاة الأمور لها فوائد عظيمة منها: عدم الاختلاف في الأمة، وعدم حصول المفاسد التي تحصل بسبب الخروج عليهم، وتحقيق الائتمار بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أحسن ولي الأمر فإحسانه له عند ربه جل في علاه، وإن أساء فإساءته عليه عند ربه جل في علاه، لا سيما وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ما من راع يسترعيه الله رعية يموت حين يموت وهو غاش لرعيته إلا لم يرح رائحة الجنة)، أي: أنه لا يشتم رائحة الجنة بحال من الأحوال، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم على من هذا حاله فقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه)، وهذا دعاء محقق الإجابة، فعلى المرء أن يعلم بأن قلوب ولاة الأمور بيد الله جل في علاه، وعليه أن يلزم نفسه بالطاعة وأن يلتزم بدين الله، وأن يسمع ويطيع في الطاعة دون المعصية، فما عليك إلا البلاغ والله سريع الحساب.
أما أنت فيجب عليك أن تتقي الله قدر استطاعتك، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر قدر استطاعتك، وبالآداب التي أدبك الله بها وأدبك بها رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لا تأتي بالمفاسد، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: (السمع والطاعة على كل مسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).