[اعتقاد أهل البدع في صفة الكلام، وشبهاتهم حولها والرد عليهم]
إن بعض أهل البدعة والضلالة لم يقروا بهذه الصفة لله، وقالوا: إن الله لا يتكلم.
ثم أوردا شبهة شديدة جداً، فقالوا: لو قلتم بأن الله يتكلم فإن ذلك يستلزم لوازم باطلة.
وهي: أنه لا كلام إلا بمخرج، فتكونون قد شبهتم الخالق بالمخلوق، ولذلك قالوا: إن الله لا يتكلم.
والجواب على ذلك بأن نقول: إن الأصل أنه تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] ولا يستلزم من الكلام المخرج.
وأيضاً: لم يرد في الشرع أن لله فماً، ونحن لا نثبت لله صفة إلا إذا أثبتها لنفسه، فنحن نسكت عن هذا.
وأما ما أوردوه من إلزام فنقول: إن هذا اللازم باطل؛ لأننا لو قلنا بقولكم فقد كيفنا الصفة، والكيف مجهول بالنسبة لنا، ونحن نفوض الكيفية.
بل إن في المخلوقات ما يتكلم ونحن لا نعرف كيفية كلامه.
مثال ذلك: السماوات والأراضين، فعندما خلقهما الله قال لهما: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١].
وأيضاً: تكلمت الجنة وتكلمت النار، ففي الصحيحين: (أن الجنة والنار احتجتا عند الله جل في علاه، فقالت النار: يدخلني المتكبرون، وقالت الجنة: يدخلني الضعفاء).
فتكلمت الجنة وتكلمت النار.
ولا نعرف كيفية كلامهما، وإن كان هذا في المخلوق فمن باب أولى ألا نعلم كيفية كلام الله جل في علاه، لكنه يتكلم، ويسمع من يشاء بكلامه، فقد أسمع الملائكة، فجبريل عليه السلام سمع صوت الله، بل وملائكة السماء سمعوا صوت الله جل في علاه كما في الحديث الصحيح: (أن الله إذا أراد أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي، فيسمعون صوت الله، وتأخذ السماء منه رجفة أو رعدة شديدة)، فهذه دلالة على أنهم يسمعون صوت الله جل في علاه، وجبريل قد سمع صوت الله بتلاوة القرآن، وأخذ القرآن ونزل به إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
إذاً: الله يتكلم، ولا نعلم كيفية كلام الله جل في علاه، فنحن نثبت الصفة بلا تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل.
ويزيد من بطلان إلزامهم بأن الكلام يستلزم المخرج، أن هذا تكييف، والكلام في اللغة معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
ثم إنكم أيها المبتدعة خالفتم ظاهر القرآن وظاهر السنة وإجماع الصحابة، وهذا يلزم منه لوازم باطلة لا يمكن أن نقر بها.
إذاً فنقول في الرد عليهم: إن هذا اللازم الذي قلتم عليه أنه لازم باطل وليس بلازم، فإن هناك مخلوقات تتكلم ولا يستلزم من وجود الكلام وجود المخرج، ولا نعلم كيفية هذا الكلام، فمن باب أولى نقول: إن الله جل في علاه يتكلم ولا نعرف كيفية هذا الكلام.