[رؤية الله عز وجل في الدنيا]
وإن رؤية الله جل في علاه في الدنيا بالعين البصرية مستحيلة، ولا يمكن أن تحدث ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأما الرؤية القلبية فجائزة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولغير محمد صلى الله عليه وسلم، والمراد برؤية القلب أي: في المنام فالرؤية رؤيتان: رؤية بصرية، ورؤية قلبية.
أما الرؤية البصرية فمستحيل على أي أحد أن يرى الله جل في علاه في الدنيا.
والدليل على ذلك قول الله تعالى في مجيء موسى لميقاته: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف:١٤٣]، وقد اختلف العلماء في رؤية محمد لربه في الدنيا على قولين: القول الأول: ذهب ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه إلى أن محمداً قد رأى ربه ليلة المعراج.
واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (نور أنى أراه) وأيضاً قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والرؤية لمحمد، وهذا لم يثبت عن ابن عباس رضي الله عنه.
والقول الثاني: ذهب ابن عباس أيضاً في رواية أخرى عنه إلى أنه: رآه مرتين بقلبه.
وهذه الرواية توافق رواية عائشة والجمهور.
وقد انتصر الحافظ ابن حجر لقول ابن عباس وهو خلاف الراجح.
إذ إن الراجح: أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينه البصرية أبداً؛ وذلك لما تقرر في علم الأصول أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته يدخل هو فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تروا ربكم حتى تموتوا).
فهذا فيه دلالة قاطعة على أنه لا أحد يرى الله حتى يموت، ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم.
أما الرؤية القلبية، أو في المنام فهذه قد حصلت له صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وحصلت لآحاد الناس؛ لأن الأحكام على العموم لا على الخصوص.
ففي الترمذي بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رأيت ربي في المنام، فقال لي: يا محمد! أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ فقلت: لا أعلم، قال: فوضع يده على صدري فوجدت برد أنامله).
فالشاهد أنه قال: (رأيت ربي في المنام) فهذه دلالة على رؤية الله في المنام بلا كيفية، ولآحاد الأمة أن يرى ذلك، وهذا هو الذي رجحه الإمام أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.