والرضا بالقدر لا ينافي الحزن والبكاء كما قال بعضهم: إن الفضيل بن عياض ضحك في جنازة ابنه، فسألوه عن ذلك، فقال: أرضى بقدر الرب، فإذا قال قائل: ضحك الفضيل بن عياض في جنازة ابنه رضاً بقضاء الله، وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة ابنه أيضاً رضاً بقضاء الله فأيهما أفضل؟ ف
الجواب
نقول: أكمل المراتب على الاحتجاج بالقدر في المصائب والتعبد لله الرضا بها، والفضيل بن عياض كان يضحك في الجنازة، فيسألونه عن سبب ضحكه فيقول: أضحك رضاً بقضاء الله علي.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد بكى لموت إبراهيم وهو يدفنه، ونحن نعلم يقيناً بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أرضى الناس بقدر الله جل في علاه، وحال النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من حال الفضيل، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يبين لك أن الحزن لا ينافي الرضا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل وقال:(إن هذه رحمة يرحم الله بها عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء).
فأصبح هذا الدمع وهذا الحزن من الرحمة ومن رقة القلب، فلا ينافي الحزن ولا الدمع الرضا، أما ما فعله الفضيل بن عياض هو أنه تغالب على الحزن، والحزن أكمل؛ لأن الحزن يدل على كمال الرحمة مع كمال الرضا، ولذلك نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الكمالين وجمع بين الخيرين.
إذاً: لك أن تحتج على المصائب بالقدر، وتقول: قدر الله، فالحمد لله على كل حال، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه الأمر يسره يقول:(الحمد لله الذي لا تتم الصالحات إلا بفضله وبرحمته)، أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا جاءه ما يسوءه من المصائب قال:(الحمد لله على كل حال)، ولذلك إذا أردت أن تعزي أهل الميت ملك أن تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون لله ما أعطى ولله ما أخذ.
وهذا يبين لك أن القدر بنقسم إلى مصائب ومعائب لأنك أول شيء تعلم أن هذا قدر من الله جل في علاه، وأنها مصيبة فعليك أن تصبر وتحتسب، وأكمل من ذلك أن ترضى، اللهم ارزقنا هذا يا رب العالمين.