[معنى قول المصنف: يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون]
قال المصنف رحمه الله تعالى:[الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، سبحانه وتعالى هو الذي يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون].
(يعلم ما كان) أي: بما حدث في الأمم السابقة.
(وما يكون) أي: بما سيكون ويئول إليه الأمر، كقوله صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين) وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: (بين يدي الساعة سنون خداعة يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، وينطق الرويبضة، قالوا: يا رسول الله! وما الرويبضة؟ قال: الفاسق أو الفويسق يتكلم في أمر العامة).
وفي زماننا هذا فإن الرجل المزور الذي يزيف الأقوال يصبح صادقاً ومبجلاً، والرجل الصادق يصبح مهاناً.
وما أكثر الرويبضات الذين يتصدرون في أمر العامة وهم ليسوا بأهل، فيناصرهم الناس ويزعمون أنهم يناصرون الحق، فحسابهم عند ربهم في ذلك، وعند الله تجتمع الخصوم.
وقوله رحمه الله:(ويعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون) أي: في علم الغيب، كما قال الله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[الأنعام:٢٧ - ٢٨] فإن يرد الله الكفار إلى الدنيا مرة ثانية، ويبعث إليهم الرسل، فسيعودون إلى ما كانوا عليه، وهذا ممكن وليس مستحيلاً، فإن الله جل وعلا إذا أراد أن يقول للدنيا كوني فستكون، قال تعالى {إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل:٤٠]، أما المستحيل فهو بقاء الكون إذا كان له عدد من الآلهة، قال الله تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[المؤمنون:٩١] وقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء:٢٢] أي: لفسدت السماء والأرض؛ فإن رب الشمس والعياذ بالله لو اختلف مع رب القمر فإنه سيحبس الشمس، فكل إله يذهب بما خلق ويعلو بعضهم على بعض.
فالمقصود: أن علم الله يشمل كل شيء، علم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، سبحانه يعلم ما في السماء، وما في الأرض، وما في البحار، و {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩] يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، ولا تواري عنه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره، سبحانه جل في علاه وهو العليم الخبير، قال تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}[الأنعام:٥٩].