استدل القائلون بتعدد الحق بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة)، فانقسموا إلى فريقين: فقال قوم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك ليحثنا على الإسراع، فوالله لا نمر حتى نصلي العصر، فنزلوا في الطريق وصلوا، أما الآخرون فلم يصلوا وذهبوا إلى بني قريظة ثم صلوا العصر هناك، ثم ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يخطئ واحداً منهما، والإجابة على هذا الإشكال من وجهين: الوجه الأول: أن نقول: إنهما على الحق، ولا يعد هذا خلافاً؛ لأن الأوائل صلوا في بني قريظة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى الآخرون في الطريق عملاً بقول الله تعالى:{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:١٠٣] فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفهم، وإقراره صلى الله عليه وسلم وحي من الله بأنهما على الحق، فنقول إذاً: هما على حق؛ لأن الوحي قد نزل بذلك، وهذه من الحالات الخاصة التي نزل الوحي بإظهارها.
الوجه الثاني: أن يقال: ليس كلاهما على حق؛ بل كان الفريق الأول على حق والفريق الآخر مخطئ، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد أقر اجتهادهما فقط؛ لأن هذا مجال الاجتهاد، والنبي صلى الله عليه وسلم أباح الاجتهاد ولم يمنعه، والله جل في علاه شرع باب الاجتهاد بآية عظيمة فقال:{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}[النساء:٨٣]، فهنا أقر النبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد ولم يقر الواقعة بأنهما على الحق.
إذاً: فهذا الاجتهاد يرفع من وجهين كما بينا: الوجه الأول: أن الوحي قد جاء للنبي صلى الله عليه وسلم أن هذا حق وهذا حق، ونحن نتبع الوحي وندور معه حيث دار.
أو نقول بالوجه الثاني وهو أوجه: أن إقرار النبي لهما ليس إقراراً على قرارهما ولكنه إقرار على اجتهادهما.