إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
القبر أول منازل الآخرة، ومن سعد في قبره فالسعادة أكمل وأتم في الآخرة، ومن كان عليه الأمر شاقاً جداً فهو أشق وأشد وأنكى في الآخرة، كما وصلنا عن عثمان بسند صحيح أنه بين أن القبر أول منازل الآخرة، فإن كان يسيراً فما بعده أيسر، وإن كان شاقاً كان ما بعده أشق على الإنسان، فعلى الإنسان أن يستعد لدخول هذا المكان الضيق، فإن القبر هو البيت الذي سيكون مبيته حتى يوم القيامة، والقبر له فتنة، والكلام عن القبر من وجهين: الوجه الأول: الفتنة التي تكون في القبر، وهي ثابتة بالكتاب وثابتة بالسنة، أما بالكتاب فبالإشارة، وأما بالسنة فبالتصريح، والفتنة هي سؤال الملكين للرجل، يأتيان إليه فيقعدانه فيسألانه: من ربك؟ ما دينك؟ ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ وهي ثابتة في الكتاب، قال الله تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:٢٧]، هذا التثبيت لا يكون إلا عند محل الفتنة، والفتنة معناها: الاختبار، والحكمة من الفتنة: هو اختبار صدق هذا المقبور الذي مات على مسمى الإسلام هل هو بحق وبصدق أسلم لله واستسلم لأوامر الله، وكان مصدقاً بوعد الله ووعيد الله وبوعد النبي وبوعيد النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فيختبر اختباراً شديداً عندما يوضع في قبره، ويضم عليه، ويفتن فيه فتنة شديدة.
قال الله تعالى:((يُثَبِّتُ اللَّهُ))، وهذه بشارة من أهم البشارات لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما علموا بفتنة القبر وارتجفت قلوبهم، بشرهم الله بالتثبيت، اللهم اجعلنا من الذين تثبتهم في القبر يا رب العالمين، قال تعالى:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[إبراهيم:٢٧]، والقبر أول منازل الآخرة، فالتثبيت في أول منازل الآخرة هو أن يطلق لسانه، وأن يقول: ربي الله ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم وديني الإسلام، والدلالة من السنة الصريحة على فتنة القبر حديث أسماء رضي الله عنها وأرضاها (تفتنون في قبوركم قريباً من فتنة الدجال)، تفتنون أي: تسألون، وفسرها حديث النبي صلى الله عليه وسلم الطويل الذي رواه البراء عندما يدفن المرء يولي عنه أصحابه ومن معه ويسمع قرع نعالهم، فإن الملكين يأتيانه فيسألانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(فيقعدانه فيسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ وماذا تقول في النبي الذي بعث فيكم؟).